مايا الخوري – خاص الناشر |
منذ استشهاد القائد الميداني في المقاومة الإسلامية في لبنان الحاج أبو طالب، كتب الكثيرون من أصدقائي، من إعلاميين وناشطين، على مواقع التواصل الاجتماعي، عن اللقاء الذي جمعنا بالحاج “أبو طالب” في جولة أقامها ملف شبكات التواصل الاجتماعي في حزب الله، بمواكبة الإعلام الحربي في المقاومة، في ذكرى انتصار تموز، على العديد من المواقع في الجنوب التي شهدت على هزيمة العدوّ الصهيوني على أيدي رجال الله في العام 2006.
أغلب الاصدقاء تحدثوا عن توصيات الحاج “ابو طالب” لنا بالاستمرار بدعم المقاومة كلٌّ من موقعه، عن يقينه بالنصر، عن بطولات المجاهدين في الميدان، عن إيمانه بتحرير فلسطين وزوال الكيان، والعديد من السرديات والتحليلات والتوقعات وغيرها من الاحاديث التي حدّثنا بها بصوته الهادئ الذي يجعلك تقطع أنفاسك لتسمع كلّ كلمة يقولها، متمنيًا أن لا ينتهي الوقت الذي مرّ بسرعة البرق من جمالية كلماته.
لن اكرّر ما قصّه الزملاء، ولكنني سأتكلم عن شيء علق في ذهني وأكّد لي المؤكد، ألا وهو أخلاقيات المقاومين في التعامل. عندما أُبلغنا في آخر الجولة أننا سنلتقي قائدًا ميدانيًا من الصف الأول في المقاومة، في معلم الحاج قاسم سليماني السياحي، ظننت أنني سأرى قائدًا جالسًا على عرشه، يحيط به عددٌ من العساكر لخدمته ورفاهيته، فنحن تعودنا في هذا البلد، وللأسف، أن نرى العسكر في خدمة زوجات وأبناء الضباط والمسؤولين! وإذ بي أرى رجلًا خلوقًا متواضعًا مشغولًا في تأمين راحتنا وحسن ضيافتنا بكلّ لباقة، رجل أبى أن يبدأ كلامه قبل توجيه التحية للشباب الذين قاموا بتحضير “اللقمة الطيبة التي جمعتنا” وتقديم القهوة والضيافة لنا، ليلفت انتباهنا بقوله: “هؤلاء الشباب هم مجاهدون مقاومون في الميادين وهم يقومون بضيافتنا لكرم أخلاقهم وحسن ضيافتهم ومحبتهم لنا وليس لأنهم ملزمون بهذا العمل”. بهذا الكلام أراد الحاج “أبو طالب” أن يقول لنا إن في هذه المقاومة الشريفة لا فرق بين قائد وضابط وعنصر، ورغم أنه أراد نوعًا ما أن يخفي الجانب “الحنون” فيه ولكن الدموع في عينيه وهو يتكلم فضحت مشاعره الطيبة ورقّة قلبه وتواضعه.
لقد علق في ذهني الكثير والكثير من صفاته الطيبة وكلامه المليء بالعز والكرامة والوطنية. وعلمت، آنذاك، أن هذا الرجل – بالعربي الدارج – “قصّة كبيرة” لكنني لم أكن أتوقع أن يكون هذا الرجل المتواضع والخلوق الجالس أمامي هو نفسه الذي أذلّ الصهاينة في عدوان تموز كما أذلّهم في “كريات شمونة” والمطلة و”مسكافعام” والمالكية و”مرغليوت” وغيرها من ميادين إذلال وقهر الجيش الذي قيل إنه لا يُقهر. لكنني ورغم عدم علمي بهذا إلا أنني كنت على يقين أن هذا الرجل لن يقضي إلا شهيدًا، فهذا هو قدر الرجال أمثال الحاج “أبو طالب”.
لروحك الخلود والرضوان ولنا من بعدك وعدنا لك أن نحمي المقاومة بأقلامنا وأصواتنا كما تمنيت علينا، ليتحقق وعدك لنا بأن راية النصر سترتفع، فنحن على يقين أن النصر آتٍ لا محال لأن المقاومة التي يتقدّم صفوفها قادة أمثال الحاج :أبو طالب” لا يليق بها الا النصر.
هنيئًا للبالغ مُناه.. الشهادة.