الضاحية: صبرٌ واحتواء


يعيد تموز إلى الذاكرة مشاهد الدمار الذي حلّ بالضاحية، الدمار الذي لم يستهدف فقط قتل أكبر عدد ممكن من السكان وتهجير الباقين وضرب البنية التحتية لبيئة المقاومة، بل كان من أهدافه البعيدة المدى تحويل المدينة التي تحتوي، بكل معاني الاحتواء، أهل المقاومة والصمود إلى ركام معنوي.

عادت أجمل مما كانت وخيّبت أهداف العدوان بسرعة قياسية، بسرعة سبقت إعادة إعمارها وعودة أهلها إليها. وما زادتها ذاكرة الدمار والغارات المتوالية إلا قدرة أكبر على الاحتمال وعلى الاحتواء.

تعاني الضاحية من كمّ هائل من المشكلات التي تُعتبر شائعة في ضواحي المدن حول العالم، من الاكتظاظ السكاني إلى سوء التنظيم المدني وكل ما يتبع ذلك من مسائل اجتماعية وغيرها. ورغم ذلك، قدرتها المتزايدة على احتواء أهل المقاومة وغيرهم، جعلتها المكان الذي يتم استهدافه بشكل متواصل، بأساليب متنوعة، والكذب الذي نراه في كلمات البعض عنها وفي شعاراتهم “المغفّلة” أسلوب منظّم لتشويه وجه جميل يذكّر الصهاينة وكلّ العالم أنّ أهل هذه المدينة انتصروا.

ولذلك، كان مفهومًا أن تكون الضاحية محورًا أساسيًا في محاور الاستهداف السفاراتي المسمّى زورًا “ثورة”. وهنا، لا بدّ من التذكير والفصل بين مشهدين أساسيين: الاحتجاج على الوضع المعيشي الذي يتواصل هبوطه، والاستهداف السياسي والاجتماعي والإعلامي الذي يرتدي قناع الاحتجاج كي يبدو مقبولًا وعاديًا.

بالنسبة للاحتجاج، لصرخات الوجع التي تنتج من جمرات في قلوب الناس، فلا أحد يكتمها كما يحاول “الثورجيون” تصوير المشهد. بل على العكس، بذل حزب الله، مؤسسة وأفرادًا، كلّ ما يمكنه لرفع هذه الجمرات أو لبلسمة مواضعها، مدركًا أنّه بغياب امكانية الحلّ الجذري حاليًا، يمكن لبعض الحلول المؤقتة أن تخفّف من وطأة الألم.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ مقدرة أهل الضاحية على الاحتمال هي في الأساس مقدرة عالية، فالفقر ليس حالًا مستجدًّا أو طارئًا عليهم، والأزمة الحالية ليست المواجهة الأولى التي يخوضونها مع العدوان، وإن اتخذ هذا العدوان اليوم شكلًا اقتصاديًا يستهدف الجميع بغية ليّ ذراع المقاومة.

أما بالنسبة للاستهداف الممنهج والمبرمج في السفارات “المستعمِرة”، فتختلف الصورة باختلاف الأدوات المستخدمة فيها:

  • استهداف سياسيّ يصوّب على المقاومة ويحمّل حزب الله وزر كل مصائب البلاد.
  • استهداف اجتماعي يحاول تصوير أهل الضاحية كجمع من المقموعين، يهزأ من صبرهم، ينمّطهم، يمارس كل أشكال العنصرية ضدّهم، ويعتبر أنّه حقّق انجازًا عظيمًا إذا نظّم تحرّكًا داخل حيّزها الجغرافي علمًا أنّه يعلم كما الجميع يعلم أنّ أحدًا لن يمنعه.
  • استهداف اعلامي قديم متجدّد يضخّم أي حدث في الضاحية، وإن قلّت الأحداث يخترعها، ويستخدمها للتصويب أيضًا وأيضًا على المقاومة.

كلّ هذا، والضاحية تخوض صمودًا أسطوريًا كذلك الذي رآه العالم كلّه في تموز ٢٠٠٦. هي ليست المدينة الفاضلة طبعًا، ولكنّ أهلها يتفوقون بالفضيلة على كلّ الأفراد الذين يكرّسون وقتهم وجهدهم لاستهدافها، سواء علموا أو لم يعلموا أنّهم بذلك يمارسون عدوانًا واضح المعالم والأهداف.

باختصار، الصبر مكرمة وليس عيبًا. التكافل شكل من أشكال المقاومة وليس رضوخًا للواقع، والاحتواء الذي يشمل حتى المستهدِفين دليل تعالٍ وكِبر وليس إنجازًا اختراقيًا يسجله هؤلاء، والضاحية، مدينة حب تقاوم بكلّ ما تملك من أدوات وليست كيانًا مصطنعًا أو محتلًا كما يتعامل معها أدوات السفارات وأبناء الضياع.

اساسيالضاحيةالمقاومةبيروتلبنان