لو لم يكن عداؤنا للصهاينة صادقًا، أو لو أمكننا التجاوز قليلًا عن مبادئنا وجذريّتنا التي تمنعنا من مخاطبة هذا العدوّ بغير البارود، من فوهات السلاح ومن على المنابر المقاتلة التي تهدّده، لوجّهنا إليه رسالة نطالبه فيها بالاشفاق على بقايا مشروعه هنا في لبنان، فمشهد استماتتهم في سبيل أن يعود ويوظّفهم ولو كأكياس رمل لديه مثير للاشمئزاز، بحيث يصبح من الواجب مساعدتهم على تحقيق حلمهم، عسى يكفّون. ولو كنّا من مصدقّي كذبة “المجتمع الدوليّ المحايد” لطالبنا هذا المجتمع أن يضغط على العدوّ بأن يلملم مخلّفات مشروعه البالية في لبنان، فنتخلّص أقلّه من أحد أصناف المخلّفات التي تصدر بين الحين والآخر روائح مزعجة.
ولو لم يكن سامي فتى كتائبيًا جميّليًّا من نسل أمين، شقيق وشريك بشير الدبابة المنفّذ فيه حكم الإعدام الوطني بجرم الخيانة، لكنّا مررنا على تغريدة “التعاطف” مع أبنائنا في الجنوب مرورنا على أيّ كلام تضامني كاذب كثر وشاع منذ اندلاع الحرب، في إطار المزايدة على المقاومة التي تحمي الجنوب وأهله. لكنّا تجاهلنا المزايد كعادتنا، وترفّعنا عن تقريعه وكشف كذبه. أما أن يدسّ سامي – ابن عمّ نديم الغارق في موجة غضب منعته من مؤازرة شريكه – عسل التعاطف في سمّ تسميع الصهاينة صوته عسى يلتفتون إليه، وفي سمّ “تلقيح الحكي” على المقاومة واتهامها بخوض الحرب كسبًا لأوراق في تسويات، فهنا المسألة مختلفة. ليس لأن سامي يجهل الحقيقة، فأبوه لا بدّ أخبره من نحن ومن هم، ومن لم يخبره أبوه، يعرف بمجرّد متابعة إعلام معلّمي أبيه، عن نقاء وجودنا وعن أهداف معاركنا، ويعرف من الصادق ومن الكذّاب. المهم، المسألة ليست في إقناع سامي بما يبدو جاهلًا به، بل بتفصيل إبداء التعاطف مع “الطلاب وأهلن وكلّ المدنيين”.
مع من تتعاطف يا سامي؟! في الواقع، أصغر طفل جنوبيّ روّعه القصف في هذا الصباح يمتلك من الشجاعة ما لا تمتلك منه قطرة. هل ينتظر الشجاع تعاطفًا من الأضعف منه ولا سيّما إن كان الضعيف هذا كتائبيًّا مطرودًا من الخدمة في معسكر المشروع الصهيوني؟! حاشا لأطفالنا أن يرضوا ولو مثخنين بالجراح أن يتحنّن عليهم ولو بحرف وريث ربيب أعدائهم المرميّ على قارعة المشاريع الفاشلة. حاشاهم أن يلتفتوا إلى صوت يحار المرء في تصنيفه من هول ما لُفّ بالترف المبنيّ على الدم والجثث و”معاشات التقاعد” الباقية من زمن المشروع الساقط. حاشاهم أن يقبلوا ذكرهم في “منشور” ركيك يستخدم توجعهم في سبيل محاولة فاشلة، كالعادة، للمسّ بحامي حماهم بعد الله.
نحن أهل الجنوب يا سامي، وقد تقول إن بيننا من يتبعك أو يصدّقك، ولا بأس، قد تجد في قرية ربّما ضالًا أو وضيعًا حاقدًا على المقاومة فيتبعك “نكاية بالطهارة”. ها نحن نبلغك أن الملتحقين بالساقطين ليسوا منا، ولهم في “اللحديين الفارّين إلى فلسطين المحتلة” أسوة، وإن اختلف شكل العمالة ونوعها.
نحن أهل الجنوب يا بن أمين، نرفض تعاطفك الذي بأحسن حالاته إذا صدق فهو مقسوم بيننا وبين المستوطنين، اتركه لهم كلّه فهم أولى بتعاطف مَن “لحم أكتافه” نما من “مساعدات” كيانهم، واسأل أباك.
نحن أهل الجنوب، أنقى وأرقى وأطهر وأشرف وأقوى وأشدّ وأشجع من أن نرتضي ورود ذكرنا على لسان يمسح بلاط قاتلنا، عسى يرضاه عونًا بعدما ارتضاه قبلًا، وفشل.
نحن أهل الجنوب نخبرك، أن معلّميك، مع وقف التنفيذ حتّى يأذنوا لك أو يمنحوك ما منحوا أباك وعمّك من فرص، يعرفون جيّدًا علوّ مكانتنا في ساحات الشّرف، فليخبروك، عساك تخجل من وضع نفسك في أي منشور لاحق موضع تقريع وسخرية كلّ طفل جنوبيّ شريف، يعرف أعداءه ولا يخاف.