(ع أمل)  رؤية مزيفة للمرأة المتحررة

   هدأت عاصفة المسلسلات الرمضانية وما صاحبها من تعليقات إيجابية أو سلبية، خاصة مع وجود التيك توكرز الذين تحول معظمهم إلى نقّاد للدراما الرمضانية، وانقسمت آراؤهم بين مؤيد ومعارض في ظل الظهور الخجول لآراء النّقاد الحقيقيين العارفين بأسس بناء الدراما.

  خصّصت القنوات المحلية والعربية مساحة شاسعة من برامجها لاستضافة نجوم الموسم الرمضاني الذين يظهرون في مقابلات طويلة حتى اللّحظة، ومن ضمنها برنامج بودكاست مسلسل “ع أمل” ( تأليف ندين جابر – إخراج رامي حنا) حيث تستضيف بطلته “ماغي بو غصن” أبطال العمل وتأخذ دور المحاور عل مدار الحلقات التي تعرض أسبوعيًا.

 لا بد من الاعتراف أن العمل حقّق نجاحًا عربيًا واسعًا كما تعرّض للكثير من النقد بسبب القضايا التي يعالجها، والتي انقسم حولها الجمهور بين مؤيد ومعارض. اختارت مؤلفة “ع أمل” أن تسير في حقل من الألغام ليس لاختيارها قضية العنف ضد المراة؛ بل لمساسها ببعض الأسس الدينية وبعض العادات والتقاليد.

إن معالجة مسلسل “ع أمل” كانت موفقة نوعًا ما، عانى العمل من بعض التطويل والملل بعد الحلقة العاشرة، إلّا أن (ندين جابر) تمكّنت من استغلال المشاهد العاطفية والمؤثرة في الحلقات الأخيرة، مثل مقتل شخصية “رهف” والتي أبدعت بأدائها الممثلة “سرينا الشامي”، ما ساهم بتحويل تلك المشاهد إلى تريند على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن رغم نجاح هذا الإنتاج الدارمي يجب أن نسلّط الضوء على القضايا الهادمة التي تناولها والتي تؤثر بمعتقداتنا ومبادئنا كمجتمع عربي، وسنقوم من خلال هذا المقال بتناول تلك القضايا اعتمادًا على تحليل مضمون المسلسل وما قدّمه من أفكار تعارض ديننا وقيمنا.

1- تشجيع العلاقات المحرمة:

أظهر المسلسل أن هناك علاقة غرامية بين ” يسار ” و “جلال” ( بديع أبو شقرا ) لمدة عشرين عامًا دون زواج، وبالطبع تضمن هذا الحب الممارسة الجنسيّة. وبما أن “يسار” تجسد شخصية المرأة المتحررة المنتفضة على واقع المرأة المضطهدة، فهذا دليل واضح على تشجيع العلاقات الجنسية خارج إطار الزوج وربطها بأحقيّة المرأة بإقامة ممارسات غير شرعية ترفضها كافة الأديان، ومنها المساكنة التي يروّج لها يوميًا على القنوات التلفزيونية. صحيح أن علاقة يسار وجلال انتهت بالزواج ولكن بعد عشرين عامًا من العلاقة المحرمة.

2- الخمر سلاح المرأة المتحرّرة:

في الحلقة 27 من المسلسل تواجه يسار شقيقها رباح ( طلال الجردي) الذي سكت عن محاولة قتلها وقرر السّفر ليعود بعد عدة أعوام، وخلال المواجهة تملأ “يسار” كوبًا من الكحول وتقف أمام شقيقها، علمًا أن يسار من عائلة مسلمة. فضلًا عن محتوى المشهد فإذا نظرنا إلى زوايا التّصوير فقد اختار المخرج لقطة تظهر يسار بشخصية المرأة القوية التي تحمل كأسًا ورباح بشخصية الذّليل أمامها، وهذا إن دلّ على شي فإنه يدل على تعمّد العمل للترويج لفكرة شرب الخمر التي هي محرمة شرعًا في الدين الإسلامي وربطها بصورة المرأة المتحرّرة، وأنه على المرأة التخلّص من القيود الدينية لتكون مستقلّة وقادرة على المواجهة.

3- المسيحية هي الحل:

إن ما نقصده في هذه الكلمات ليس التعرض للدين المسيحي بل للمفاهيم التي يروّج لها مسلسل “ع أمل ” وقد أظهر العمل شخصية ” سركيس ” ( نقولا دانيال ) بدور المنقذ الذي ساعد يسار بعد تعرضها للقتل وقام بحمايتها ورعايتها، ومن المتعارف أن اسم سركيس خاص بالطائفة المسيحيّة. وهنا نطرح مجموعة من الإشكاليات:

  • لماذا اختارت المؤلفة اسم سركيس للشخصية المنقذة، ولم تختر اسمًا عاديًا كباقي الشخصيات في العمل؟
  • لماذا لم تكن الشخصية المنقذة شخصية مسلمة تفهم الدين الحقيقي وتحارب العنف وترفضه؟
  • هل المسيحية هي الحل؟ ألا يوجد رجال مسيحيون يقومون بتعنيف زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم؟
  • هل هناك علاقة بين زواج المؤلّفة (ندين جابر)  المسلمة من رجل مسيحي وبين ما تحاول تقديمه في الدراما؟

4- خيار الإجهاض:

تحرّم الأديان الإجهاض دون مسوّغات شرعية، أما في مسلسل ” ع أمل ” فتذهب يسار إلى جلال لتخبره بحملها منه وكان الحوار :

يسار: أنا حبلة منك وإذا في شك براسك شيلو، بيني وبين نبال ( زوجها الشرعي المسلسل ) ما في شي.

بعد انتظار يسار لردة فعل جلال…

جلال: ما بصدق إنك ما قادرة تقري ردة فعلي.

يسار: ناطرتك تتقولها ما بدي احمل الذنب لحالي.

من خلال الحوار نفهم أن الذّنب المقصود هنا هو خيار الإجهاض، والمضحك هنا اعتراف العمل بأن الإجهاض هو ذنب ولكن لا مانع من حدوثه. يثبت هذا الحوار أيضًا تعمّد الكاتبة ضرب عرض الحائط بالثّوابت الدينية دون مراعاة للكتب السماوية، ولا حتى القوانين الوضعية، فبات قتل الروح أمرًا سهلًا وخيارًا تملكه المرأة بحريتها المزيّفة.

5- الحجاب العائق:

وفقًا لمسلسل “ع أمل” وأبطاله يحدُّ الحجاب من حرية المرأة وتطورها ورغبتها في التّعلم ودخولها الجامعة، وكان ذلك واضحًا من خلال شخصية  “ريا” الفتاة الطموحة التي تتابع دراستها في الجامعة سرًا وتخلع الحجاب أثناء تواجدها في بيروت. لنفترض أن الهدف من خلع الحجاب هو تسليط الضوء على إكراه بعض العائلات لبناتهن على الحجاب ولكن لماذا تم ربط هذا المفهوم بشخصية الفتاة الجامعية التي ترغب بإكمال دراستها الجامعية؟

لم يتعارض الحجاب يومًا مع العلم. نرى الكثير من المثقفات المتعلّمات اللواتي يرتدين الحجاب، إلّا أنّ العمل كان مصرًّا على تشويه صورة  هذا الرداء الذي يعدّه المسلمون فرضًا.

اختتم المسلسل بمشهد ليسار تمسك يد ابنتها ملاك من جهة  ( جوي حلاق )  وابنتها فرح ( ماريلين نعمان ) من جهة أخرى، بينما تضع ملاك الحجاب، ملاك تلك الفتاة التي تربت في القرية ولم تستطع متابعة تعليمها، بسبب عادات العائلة المسلمة الجائرة، أمّا فرح التي رباها سركيس أيضًا فهي حرّة لا يقيّدها الحجاب مثل أمها يسار التي تحرّرت من كل تلك القيود الدينية.

خلاصة ما تقدّم؛ تعمّد مسلسل ” ع أمل ” مع سابق تصور وتصميم هدم الأسس الدينية لمجتمعنا العربي، بتقديم أنموذج مشوّه للأجيال القادمة عن صورة المرأة المستقلّة ومفهوم الحرية الخاص بها، الذي حُصر بإقامة المرأة للعلاقات الجنسية ساعة تشاء ومع من تشاء، فضلًا عن صورة المرأة القوية الشاربة للخمر الخارجة عن الدين، وغيرها من المفاهيم التي تهدم صورة المرأة الحقيقية التي تدافع عن حقوقها وقوانينها دون الحاجة لكأس في يدها أو إقامة علاقة غير شرعية ولا حتى التخلي عن مبادئها ومعتقداتها الدينية.

اساسي