إبراهيم الرشيد – الناشر |
… ويستمر في شرقنا المتخم بالحروب والفتن، القائم على المصالح الضيقة والاستزلام للخارج، حبل الكذب امتداداً منذ عقود من الزمن، ضاعت فلسطين ولم يعد اليمن سعيداً، أصبح السودان “سوادنين” والعراق على طريق التقسيم نتيجة تأجيج الخلافات بين أطيافه، سورية مهد الحضارات والأديان تحوّلت إلى حلبة صراع أقليمي، نسمع كثيراً عن أقليات jقابلها أكثريات، وعن حصارات وعقوبات وتهديدات… والأكيد أن لبناننا ليس بخير، لبنان الأخضر يترنح على شفا حافة الانهيار والدمار نتيجة توالي الأزمات المعيشية واستفحالها إلى تباعد أبنائه عن بعضهم البعض ولجوء مكوّناته المجتمعية للاستنجاد بجهات أقليمية فاعلة، وصولاً إلى اختلاف المعايير بين قياداته السياسية في تمييز الأصدقاء من الأعداء لدرّة الشرق ووطن الرسالات السماوية، فكل جماعة ومذهب وحزب في فلك مصالحهم الضيّقة جداً يدورون ويتفاعلون، والثابت في هذا المشهد الأليم، أن راسميه ومحرّكيه هم من دون أي تخمين “الثالوث” الشيطاني الأكبر، المؤلّف من أميركا وصنيعتها اسرائيل والخنجر العربي المسموم السعودية.
نعود إلى حبل الكذب الذي أشرت إليه في البداية، وهو دافعي لكتابة هذا المقال. بالأمس تابعت في الصرح البطريركي في بكركي، مسرحية بعنوان “مئة عام من التعاون والشراكة بين لبنان والمملكة السعودية”، مضمون الكلمات المنمّقة والتي تناوب على القائها السياسي “التاجر” نوفل ضو، الذي أتحفنا منذ أيام وهو يمهّد لمسرحية التكاذب وبيع المواقف والتمجيد المدفوع ثمنه سلفاً. وفي مقالات ضو التجارية، قرأت منذ أيام “أن محاولات الوحدة العربية السابقة على مدى أكثر من مئة عام قامت على الانقلابات والحروب والاغتيالات والاعدامات لأهداف سلطوية وتوسعية، أما رؤية الأمير محمد بن سلمان فتطرح مفهوماً جديدا للوحدة يقوم على “وحدة الاقتصاد المنتج والبيئة ومستوى حياة الإنسان وغيرها من ملفات التنمية البشرية المستدامة”. يكفي ما أوردته للتدليل على ثمنه البخس، وفي كلمته في عرس العلاقات السعودية ـ اللبنانية في صالون الصرح، ذكر ضو عشرات الأسماء والمحطات اللامعة في سياق التعاون والتلاقي منذ مئة عام وأكثر، وربما عن نقص في المعلومات أو تعمّد مدروس، تناسى الاضاءة على الشاعر الجنوبي سعيد فياض، والأخير هو من مؤسسي الاذاعة السعودية وكاتب “نشيد الوطن” السعودي وكانت تربطه علاقة وطيدة وأخوية مع كبار أمراء ورجالات المملكة.
عجيب لهذا “الضو” كيف يعتّم الحقائق وفق خط سير مصالحه، والأنكى أنه رفض تزوير التاريخ فكان المزوّر الأكبر!
ومن على جنبات الحفل الذي نجلّ ونحترم مضمونه ورسالته، طلع علينا سفير دولة الخير مكرراً دعواته للسلم والسلام متناسياً أن دولته أحرقت الأطفال في اليمن وحاصرت جارتها قطر، وموّلت الدواعش في كل بقاع الأرض، وكان لـ “بندر الرياض” اللعين الدور الريادي في زرع العبوات والسيارات المفخخة في طول لبنان وعرضه، ومتفجّرة “بئر العبد” شاهدة وشهيدة. لعب البخاري على الوتر العروبي، تغنّى بالعروبة وتاريخها المجيد، وما ذلك إلا لذر الرماد في عيون المتعاطفين مع الرؤية الايرانية في مقاربة الجمهورية الاسلامية لملفّات المنطقة وتسيّدها لدول محور المقاومة والممانعة، والأكيد أن تدخلات السعودية أرهقت لبنان في الفترة الأخيرة، وعند الرئيس المكلّف الخبر اليقين، وهل يدري سعادة السفير بأن مملكته تمنح تأشيراتها “لناس وناس” من منطلق المذهب والطائفة والانتماء الحزبي والمناطقي وغير ذلك؟! هل لك أن تخبرنا من قتل الصحافي الخاشقجي لرأيه وصراحته؟ ومن سجن واعتقل وقتل عشرات الأمراء ، ولأجل ماذا؟ واللافت أن سعادة السفير استهل كلمته بالصلاة على النبي وأنهاها بالصلاة لأجل السلام في لبنان. وهنا نسأله، هل يؤمن البطاركة الذين سمعوك وصفقوا لك، بنبوّة محمد؟ لك ان تطرح السؤال على الفاتيكان، المرجع الأعلى لهم.
وفي كلمة سيد بكركي، بطرك الوعظ والارشاد، تكلّم “الراعي الصالح” عن المصالح، وأنشد معزوفات الولاء للمملكة وأميرها الشاب صاحب الرؤية البعيدة المدى. عجبت منك يا “راعينا” وأنت تبخّر للسعوديين وتمجّد احترامهم لخصوصيات الدول المجاورة. يبدو أنك لم تسمع بما يحصل في اليمن منذ سنوات ولا في العراق ولا حتى في سورية ولا في بلاد الأرز، حيث لا رئيس حكومة من دون رضا السعودية على الاسم! يا سيد بكركي، ألا تذكر ما كان يردده سلفك البطرك صفير وما كان يشكو منه من سياسة الكيل بمكيالين والصيف والشتاء على سطح واحد؟