عن “الرايتنغ” في الذهاب وفي الإياب.. وعصابة TikTok

مرّ أسبوع وأكثر وما زال دويّ فضيحة “عصابة التيكتوك” كما سُمّيت يؤرق الناس، وإن كان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فعلى عمق ما، لا فرق بين المعركة التي تدور الآن ضدّ العدوّ جنوبًا، وبين محاربة هذا الاجتياح من الانعدام الإنساني والأخلاقي الذي تكشّفت بعض آثاره عبر الكشف عن مجموعة من الأسماء ذات النجومية في عالم الافتراض ولا سيّما عبر تطبيق “تيكتوك” الذي جرى حظره في العديد من دول العالم بسبب نوعية التفاعل بين مستخدمي التطبيق والذي يقوم في جزء كبير منه على “الدعم المالي”.


في الشق التقني والتفاعلي، قد تبدو الفروق بين هذا التطبيق وغيره واهية، وهو موضوع يمكن لخبراء التواصل وحدهم الخوض في تفاصيله التي تُعدّ من اختصاصهم. أمّا بالنسبة للفكرة ككلّ، فالتطبيق بحدّ ذاته ليس مجرمًا أكثر من الإعلام الذي تلقّف مشاهير هذا التطبيق واستخدمهم لرفع “الرايتنغ” في صعود نجوميّتهم كما في سقوطهم المدوّي على صخور فضيحة من عيار الجريمة الشنعاء التي وقع ضحيّتها عدد لم يُحصَ بعد من الأطفال والقاصرين.

في البداية، لم يكن يعرف مشاهير “التيكتوك” إلّا روّاد ومستخدمو التطبيق، هناك حيث الأرض خصبة لصناعة مساحة خالية من المحرّمات الاجتماعية ولا حدود فاصلة فيها بين المقبول والممنوع. بعدها أدخل الإعلام ولا سيّما قناة الجديد مشاهير الافتراض إلى غرف الجلوس في البيوت عبر عدد من البرامج التي تتمحور حول هؤلاء المشاهير والأشكال المختلفة من شذوذهم. تمّ تقديمهم كأصحاب إنجازات أو كمدعاة سخرية واستنكار: فالهدف من استقدامهم ليس سوى الرايتنغ الذي لا فرق إن تحقّق بإعجاب الجمهور أو باستهجانه.


ثمّ حانت ساعة الحقيقة، قل ساعة الفضيحة المرّة: عصابة من مشاهير “التيكتوك” تحترف استدراج الأطفال والقُصّر ليصار إلى اغتصابهم وتصويرهم وابتزازهم ثمّ بيع هذه الفيديوهات إلى جهات شريكة. عصابة هي أشبه بشركة تتوزّع فيها المهام بين الأفراد، من المهام التحضيرية إلى التنفيذية مرورًا بالمالية والتسويقية.


هل يعتذر الإعلام عمّا فعل؟ أبدًا، فإمكان الاستثمار من أجل “الرايتنغ” لم يزل مفتوحًا، ومن استقبلوا كضيوف مكرّمين في الاستديوهات كي يجتذبوا الجمهور بأشكالهم الغريبة المستهجنة وأنماط حياتهم القائمة على الانحرافات السلوكية والأخلاقية، تحوّلوا إلى ضيوف يتمّ التواصل معهم عبر الهاتف أو منصات التواصل عن بعد، يُمنحون فرصة التبرير والدفاع عن النفس وتراشق التهم من جهة، ومن جهة يصبحون هم أنفسهم “الخرقة المتّسخة” التي يحاول المستضيف مسح يديه بها ليتبرّأ من اقترافه جريمة تعويمهم والتسويق لبذاءتهم المتعدّدة الوجوه. وعلى المستويين، هم يشكّلون مرّة ثانية محلّ استثمار إعلامي مربح عبر جذب الجمهور نفسه.


هنا، الإعلام القائم على التسويق للانعدام الأخلاقي بحجج مختلفة، يكون قد ربح مرتين واستثمر مرتين في البضاعة الفاسدة نفسها، كسب “رايتنغ” وانتسب بجدارة إلى قباحة الاشتراك بالفعل الساقط عبر منح “الهواء” لفاعله ذهابًا وإيابًا..

اساسيجورج مبيضرايتنغقناة الجديد