ماذا يريد المجتمع الدولي من لبنان؟

في خضم ما يحصل في لبنان من ظروف عصيبة وازمات خانقة وانهيارات متسارعة لا سيما في القطاعات الغذائية والاستشفائية وموارد الطاقة من تجفيف سلاسل التوريد الى غموض في التوزيع فضلاً عن الغلاء الفاحش وارتفاع سعر صرف الدولار ، ثمة من يتساءل ماذا تنتظر الدول العربية والغربية والاتحادات الدولية والمجتمع الدولي حتى تنهض و تصنع المعجزات لانقاذ المواطن اللبناني؟

ياخذنا هذا السؤال الى سؤال اساسي حول أسباب المشكلة اللبنانية الحالية، هل هي اسباب داخلية تتعلق بسوء الادارة وتفشي الفساد والمحاصصات السياسية، ام ان الامر في مكان اخر؟ حيث ان النفوذ الدولي الامريكي يتعرض في هذه المرحلة الى عملية تقليص الدور وهو بدوره يقوم بالحصار الدولاري والطاقي والاستشفائي والغذائي لكسب معركة مصيرية على جبهة ثلاثية في الشرق الاوسط ( روسية صينية ايرانية) قد تكون فاتحة المعارك الانهزامية اذا ما انهزمت الولايات المتحدة الامريكية فيها، فهنا نقدر مدى تأثير النفوذ الدولي على الاستقرار الداخلي.

فالاجابة الواقعية ان سبب الازمة هما الامران معاً (فساد داخلي ونفوذ خارجي)، والحقيقة الاكثر دقة ان الثاني مرتبط بالاول ليس ارتباط السببية الحتمية بل ارتباط التأثير.

ان اصحاب النفوذ الدولي على لبنان قاموا بتشجيع عملية الفساد ونموها اقله من خلال السكوت الذي دام ٣٠ عاماً، هذا فضلاً عن تماهي السياسات الحكومية مع مشاريع الشرق الاوسط الكبير كرهن الدين العام بالدولار، كل ذلك بغية احكام السيطرة على جهاز برمجة الانهيار متى وجدوه ضرورة وفرصة اخيرة للاستحكام.

هنا يتدخل المجتمع الدولي في ظل صمت الدول العربية وغياب مجلس جامعة الدول العربية وريبة الاتحاد الاوروبي، ويقف البنك الدولي منفرداً بمخاطبة اللبنانين وكأنه من الممنوع على اي جهة اخرى التدخل الانقاذي وتبقى حصرية الانقاذ للبنك الدولي، وهذا مؤشر الى مدى دولية الازمة ورهنها بقرارات الخارجية الامريكية والامن القومي الاميركي.

فماذا يريد البنك الدولي اذاً؟ بما ان العلاقات الدولية لا تعرف الصديق النفسي والانساني بل المصالح الاستراتجية وعليه فإن الدول ليست مؤسسات وجمعيات خيرية، والبنك الدولي مرهون القرار بالامم المتحدة التي هي عبارة عن مجموعة دول كبرى واعضاء لا زالت الولايات المتحدة الامريكية صاحبة النفوذ الاقوى بينها، ولكن يبقى لهذا المجتمع الدولي مطالب اساسية قبل تقديم اي مساعدة انقاذية، وهي يمكن تلخيصها بكلمتين (الحوكمة الرشيدة) او الادارة الرشيدة، اي ترشيد كل القرارات الادارية والسياسية ووضعها تحت المجهر الدولي ومراقبتها ومحاسبة منفذيها وترشيدها نحو الاهداف التي تخدم الاهداف الاستراتيجية للسياسة العالمية وفق الاتفاقات بين الدول الكبرى والمهيمنة على العالم اذا ما صعدت روسية والصين لمشاركة الولايات المتحدة بقيادة العالم .

لذا وضع البنك الدولي عدة نقاط اساسية وطلب من الحكومات اللبنانية تنفيذها قبل الشروع بعملية الانقاذ، وهي مطالب اصلاحية تتسم بالشفافية ومكافحة الفساد ومعاقبة السارقين ومهربي مليارات الدولارت الى خارج البلاد وكشف تفاصيل الصفقات الفاسدة ومراجعة الحسابات المصرفية، وعليه ادخال لبنان بمنظومة الحوكمة الرشيدة المعززة بالشفافية، من خلال اقرار قانون الشراء العام وتفعيل دور واستقلالية الجهاز القضائي بشكل كامل وكذلك اجراء الاصلاحات التقنية وغير التقنية في ملف الكهرباء.

في المجمل يقول المجتمع الدولي ان مرحلة ما قبل ٢٠١٩ انتهت والفوضى الادارية التي كان مسموحاً بها قد انتهت صلاحيتها، والان جاء دور الحوكمة، فهل هي كما بعنوانها العريض مسألة فائقة الحسن لما فيها من ادارة رشيدة وشفافية ام ان العودة الى بواطن الخيارات الدولية لتصبح عملية استحكام اداري دولي في كل شركة ومؤسسة عامة تحت عناوين الشفافية والرشد الاداري؟

نحن امام تدخل يفوق التدخل الانساني عبر الغذاء، والقضائي عبر المحاكم الدولية، والثقافي عبر الجامعات والارساليات، نحن امام تدخل اداري ارشادي، يبدو ذلك ويبدو ان معركة الاستقلال هي من المعارك التي لا تنتهي .

اساسيالمجتمع الدوليلبنان