خطاب تغريب الحزب: حضيض التفاهة بلا قاع!

منذ سنين مضت، وخطاب تغريب حزب الله يجري على ألسن الأدوات الأميركية الرخيصة، بمختلف تسعيراتها. واللافت فيه أن أصحابه في منافسة على من يقدّم البراهين الأكثر تفاهة في سياق تثبيت كذبة أنّ الحزب يقدّم ثقافة غريبة عن بيئته، ويتبنّى قيمًا ومفاهيم مستوردة. وإن كان الوهابيون نشطوا في طرح مسألة إن كان الشّيعة مسلمين، فنحن نرى اليوم أداة أخرى تتشارك معهم المعلف والمسار، تطرح مسألة عزل الحزب عن البيئة الشيعية، وقد نجد من بينهم من قد يسأل بعد حين: هل عقيدة حزب الله شيعية؟ ولا بأس، فقد قيل يومًا “هل كان عليّ يصلّي؟”.

يقال ما أفصح الساقطات إذا حاضرن بالعفّة، ومثلهن تحاضر أدوات عوكر عادة بحريّة المعتقد والتعبير، إلّا أن فصاحتها ركيكة، فيُحتسب للساقطات نقطة تفوّق على أهل التفاهة في هذا المضمار.


تحت عنوان احترام حريّة المعتقد والتعبير، يطالب هؤلاء مثلًا باحترام حريّة الإعلاميين باستضافة ناطقين باسم العدوّ ومحادثتهم، كما فعل طاهر بركة وليال الاختيار، وباحترام حريّة التطبيع والتعبير عن الغرام بالصهاينة كحال نديم قطيش ومكرم رباح. كذلك يبدون كلّ انبطاح أمام “حقّ” الصهاينة بأن يعتقدوا أن قتل الفلسطينيين هو “دفاع عن النفس” وأن الإبادة وسيلة تعبير! أمّا أن يعتقد ابن حزب الله بكلّ ما في المنظومة القيمية الإسلامية الشيعية من مبادىء ومفاهيم، ويمارس حرية التعبير عنها دونما تعدٍّ على حريّة الآخرين، من كانوا من نفس بيئته أو من بيئة أخرى، وسط الطبيعة التعدّدية في البلد، فذلك برهان أنّه غريب ليس فقط عن لبنان، بل عن الشيعة أيضًا. فالمقياس عندهم هو التشيّع البريطاني، والله أعلم!

إن مجرّد استخدام المعتقدات وما تبيح وتمنع في تناول أيّ طرف في البلد هو تعبير عن الإفلاس السياسي والقيمي، بحيث يبدو الذي يذمّ كمن لم يجد ما يعيب في الآخر، فذمّ فيه طهره والتزامه.


بعيدًا عن تفاهة “بيسمعوا فيروز؟” و”ما بيحبوّا الموسيقى”، وتدنّي مستوى أصحاب الخطاب التغريبي الذي بلغ حضيض الجهل بأبسط الأمور وأوضحها، يعاني الفريق المعادي للمقاومة من إفلاس حقيقيّ في مضمون خطابه التعبوي ضدّ حزب الله. وبما أنّ التعليمة القديمة المتجدّدة قد صدرت، غرّبوه، وبما أنّ مصدر التعليمة بات عاجزًا إلّا عن توظيف الأدوات العاجزة بدورها عن تحقيق ما يريد مشغّلها، فلا سبيل إلّا بالمحاولة، وتكرارها مهما راكمت من خيبات وفشل:


لباس الجنوبيات يختلف عن لباس نساء حزب الله، الذي يشبه لباس الإيرانيات؛ كذّبهم تاريخ جبل عامل الذي صدّر “العباءة” وارتدتها نساؤه منذ عشرات السنين.


ثقافة الاستشهاد هي ثقافة غريبة على البيئة الشيعية، ونسوا من فرط استعجالهم أنّ شيعة عليّ (ع) كإمامهم الذي قال “فزتُ وربّ الكعبة” حين ضربه اللعين!


لا يشربون الكحول ولا يرتدون لباس البحر ويرفضون الشذوذ الجنسي. وكأنّهم يأخذون على جماعة التزامها بتعاليم دينها، وكأن الالتزام شين! وكي يكحّلوها قالوا “الهويّة اللبنانية” تلزم حاملها بالتعرّي وبالثمالة والشذود، فأعموا خطابهم وصاروا “مسخرة” العباد.


وسط كلّ هذا وسواه، حين يواجَهون بحقيقة أن خطابهم التافه هذا يشكّل انتهاكًا لحرية التعبير والمعتقد، يحاولون تجميل الانتهاك بإضافة بهارات الكذب المنتهية الصلاحية: هم يمنعون الآخرين من ممارسة كلّ ما يخالف معتقدهم، ويقمعون من لا يريدون الالتزام بالتعاليم الدينية، فيجيب الآخرون الذين لم يتعرّضوا مرّة لمنع أو حتّى لما يشبه المنع، وقبل الآخرين تجيبهم الشوارع والمقاهي على الأقل، والتي يمكن أن تقدّم صورة عن القمع والمنع الممارس ضدّ “الآخرين”، صورة تُضحِك من فرط ما تبدع في تكذيب أهل التفاهة، من دون جهد ولا ردود.


أمّا بعد، في ظاهر الأمر لا فائدة تُرجى ممّن لم يكتفوا ببيع أنفسهم وأدمغتهم بأبخس الأثمان وأحقرها، فأضافوا إلى قبح ارتكابهم هذا قباحة النطق بغباء لا يخجل والتعبير بتباهٍ عن الجهل المدقع. وفي العمق، ثمّة فوائد كثيرة لهؤلاء، فهم يشكّلون نماذج حيّة يمكننا أن نريها لأطفالنا في إطار كلّ حديث تربويّ معهم عن مساوىء الجهل وبشاعة قلّة الأدب، وكذلك هم يقدّمون تجربة تثبت أنّ الحضيض بلا قاع، يكفي أن يتنافس أهله في ما بينهم كي يبلغوا في كلّ مرّة دركًا أسفل بعد.

اساسيحزب الله