هي تحيّة إلى تلفزيون المرّ، MTV، الذي يجتهد في توفير متابعة ما يريده العدوّ لمن لا يستطيع إلى العبرية سبيلًا، ولمن لا يمتلك الوقت الكافي للاطّلاع على خلاصات أهداف العدوّ وما يودّ التسويق له. وهي بذلك توفّر علينا كمتابعين جهد التقصّي داخل محطات ومؤسسات ومنصات الإعلام “الإسرائيلي”. تقوم MTV بهذه المهمّة الصعبة بكلّ إخلاص وعن طيب خاطر، ولا تنتظر في ذلك شكرًا من أحد، فهو الواجب الذي نذرت لأدائه كلّ وجودها!
أطلّت علينا بالأمس حلقة من برنامج “حكي صادق” الترفيهيّ، ويُصنّف ترفيهيًا قياسًا بمستوى التفاهة الذي يعتريه، بما أنّنا اعتدنا أن يقترن الترفيه بالتفاهة في معظم إعلامنا. تقدّم البرنامج محاربة من الطراز الرفيع ضدّ كلّ ما يمتّ إلى المقاومة بِصلة، ومجتهدة، بشدّة، في استخدام كلّ الأساليب ولا سيّما الملتوية منها في سبيل تحقيق الهدف الواضح: التحريض ضدّ المقاومة ورموزها وبيئتها وثقافتها وأهلها وشعائرها وخطّها السياسيّ، كلّ ذلك في قالب تفوح منه رائحة الارتزاق تحت رداء “مهنيّ”.
في الحلقة، حضر عسل التباكي على قرى الجنوب وأهله، ليلطّف طعم السموم الموجّهة في داخل آنية تُكنَى زورًا بالصدق: تستعرض أسماء القرى الجنوبية التي على حدّ قولها تمّ تدميرها؛ هل دُمرّت فعلًا هذه القرى؟ لا، تمّ استهداف عدّة بيوت في كلّ منها، ولا مكابرة في الحزن الذي يكلّل المشهد. ولكن، ما الفائدة من التضليل والكذب هنا، حيث يمكن لكلّ الجنوبيين على الأقل كشف الكذبة؟ مهلًا، قد لا يكون الجمهور المستهدف هنا هو الجنوبيين؛ ولعل أكثر من سيفرح بخبر كهذا هم المستوطنون الفارّون من مستوطنة “المطلّة” على سبيل المثال، ولا سيّما بعد أن رأوا الفيديوهات التي أظهرت لهم كيف تحوّلت الوحدات الاستيطانية فيها إلى خرابات. فات الكاذبين أنّ الشمس لم تزل تُشرق في الجنوب، وأن الحديث عن قرى مدمّرة بالكامل لن يصدّقه سوى سكان المرّيخ إذا حدث وانقطعت بهم سبل الاطلاع على الأخبار اليومية، فلا قرى مدمّرة في الجنوب، ويعرف هذا كلّ سكان الأرض، بمن فيهم الصهاينة، لكن ربّما يسكّن روعهم سماع أن ثمّة قرى جنوبية دمّرت كمستوطناتهم. القرى الجنوبية التي يُبكى عليها كذبًا لم تُدمّر، وهذا لا يعني أن ليس بمقدور الصهاينة تدميرها، فهم يمتلكون كلّ الأسلحة التي تتيح لهم ذلك، ولكن حتّى الساعة، ولسوء حظ ومصداقية MTV لم يتجرّأ جيش الاحتلال على فعل ذلك. وإن تجرّأ فهو مدرك للأثمان التي سينبغي له دفعها، في الميدان وفي عمق وجوده.
من جهة أخرى، تهزأ MTV، الممثلة الشرعية للإعلام الصهيوني في لبنان، من وعد الصلاة في القدس، وتتهكّم “خلينا نصلّي ببنت جبيل قبل”! تجهل أن الصلاة قائمة في بنت جبيل وكلّ قرى المواجهة، أو تحاول بثّ تجهيل كهذا، في خدمة تحقيق الهدف الأوليّ من الحلقة كلّها: بثّ الانهزامية في صفوف المشاهدين هنا، وشدّ عزيمة المستوطنين الذين سينقل لهم إعلامهم العبري عمّا يُحكى على محطتهم في لبنان. أمّا إن كانت الناطقة تلك فعلًا تفتقد للصلاة في الجنوب، فلتطمئن: لقد استحالت كلّ أرض الجنوب مسجدًا لا يدخله إلّا الأطهار من أهل هذي الأرض، مسجدًا على طريق القدس، مسجدًا كلّ أهله يرفعون دمهم على أكفّهم، قربانًا لله على درب فلسطين، مسجدًا طاهرًا كلّ بيوته تفتدي المقاومة لأنّها ابنتها، ومَن كالأم في الذهاب بالفداء إلى آخره حين يُعتدى على الابنة؟
لم ترَ MTV أو لا تريد أن يرى الصهاينة ما خطّت قرى الجنوب على جدرانها من رسائل حبّ إلى المقاومين. تخشى أن ينهار مستوطنو الشمال أكثر إن علموا بأنّ أهل الجنوب على عهدهم مع المقاومة، وما زال معظمهم هناك، يهزأ بهم، ويردّد أن بيوتنا وأرزاقنا وأرواحنا وأولادنا، فدا المقاومة. من يرحل منّا فشهيد مكرّم حرّ، ومن يبقى، سيصلي في القدس، رغمًا عمّن يهزأ أو يضلّل أو ينطق بما يريد العدوّ.