دور الأردن في الدفاع عن كيان العدو

استعراض مبتذل لاستجداء رضا الأعداء بطائرات أخذت تحلق في مستوى متدنِّ وساقط مهما بلغ ارتفاعها عن سطح الأرض، حيث استيقظ القاطنون على ضوضاء أحدثتها ليس بفعل أصواتها فحسب، بل لتجاوز شدتها المعدل الطبيعي في الادّعاء والافتراء لتبرير خيانة خرجت عن المألوف من تاريخ مظلم لاتّشاحه بالخيانة ذاتها التي اعتاد مرتكبوها على السقوط في وحلها حتّى تفاقمت حدتها لتصل إلى درجات تعجز تعريفات القذارة والعهر مجتمعة عن وصفها.
والطامة الكبرى الإقرار بالخيانة على الملأ والتصريح علنًا بأن “هذه الطائرات تنشط للتوثق من سلامة الأجواء”، لا وبل التشديد على أن مجال الأردن الجوي لن يستخدم في أي عمل عسكري ضدّ الكيان الصهيوني.


وبعيدًا عن حالة الإنكار التي نحتاج أن نحيا بها أحيانًا للحفاظ على أمل قتله تطبيع صناع القرار منذ عقود، الذين ينطبق عليهم قول الشاعر درويش بتصرف “من رضع من ثدي الذل دهرًا، رأى بالكرامة، والشرف، خرابًا وشرًا”، سأكون لذلك أكثر تصالحًا مع الواقع، فإن ما حدث ليس بالأمر الغريب، خصيصًا وقوعه قبل وأثناء وعقب مرور صواريخ ومسيّرات إيران المباركة، التي حاول الأردن الرسمي اعتراضها لحماية كيان العدو، عفوًا أجواءه، لقد خانني التعبير.


حيث إنه في ليلة الرابع عشر من نيسان الجاري، تدفق النور إلى السحب حتّى أضيئت السماء بأقمارها ونجومها بومضات من ضوء صواريخ وصل مداها لكيان العدوّ لتهوي على وقع أصواتها التي أخذت تدوّي في الأفق: إيران مرّت من هنا.
وقبل وصول مئات صواريخ طهران إلى العدو؛ عبرت من الأردن في لحظاتٍ تكاد الأجمل منذ تأسيس البلاد، فتلك المرة الأولى التي لم تمر فيها طائرات لقصف بلدان عربية أو لإيصال مساعدات عسكرية للعدو إنما لزلزلة كيانه، فيا لقداسة هذه الساعات التي أمطرت بها السماء عزة وكرامة، وكأنني للوهلة الأولى أبصر سماء تلك البلاد حيث كنت أخشى طيلة السنوات الماضية النظر لها أو التمعن بنجومها حتّى حلول هذا اليوم المبارك، فأخذت أعدّها مع الصواريخ والمسيّرات واحدة تلو الأخرى لأحسب الوقت المتبقي لتحقيق حلمي بالعودة إلى وطني.


ولأن الخيانة تُنغص الأحلام كلما اقتربت منّا، هرول العملاء وتأهب الجيش بدفاعاته الجوية لا لتحرير فلسطين أو طرد الأعداء من بلادنا؛ بل لاعتراض صواريخ ومسيّرات طهران، وإباحة المجال الجوي كالمعتاد للمحتل وأميركا وبريطانيا، وفرنسا، وما تبقى من الأعداء الذين ينتهكون سيادة الأردن بتمركز قواعدهم العسكرية على أراضيه، وطلب مساعدتهم أيضًا! فقد قال ماكرون إن “الأردن الرسمي طلب مساعدتهم إذ انطلقت طائراتهم للتصدي للمقذوفات الإيرانية من قاعدة فرنسا الموجودة منذ سنوات في الأردن”.


أمّا المبرر الرسمي كما الذنب وجرم الخيانة إن لم يكُن أشد قباحة، بعد أن انهالت التصريحات من رئيس الحكومة والناطق باسمها ووزير الخارجية والعاهل الأردني، فهو حماية الأردن والمواطنين! الأمر هذا يفنده سقوط صاروخين أو ثلاثة فلحت الأردن والقوى الاستعمارية باعتراضها لتسقط في مناطق مكتظة بالسكان دون أن يأبه هنا صناع القرار بأمن الوطن ومواطنيه.


وفيما يتعلق بتصريحاتهم أيضًا حول “قيام القوات المسلحة في الجيش العربي بالتصدي مدعومة بالأجهزة الأمنية والمختصة لكل ما يعرض أمنه (أي الأردن) وسلامة مواطنيه للخطر، ويخترق حرمة جوه” سأتطرق إلى كلّ جملة على حدة، أولًا الجيش الذي يُطلق على نفسه لقب “العربي” يفترض أن لا يحمي عدو العربي ويستضيف قواعد القوى الاستعمارية وسفاراتهم على أرضه التي يدّعي الحفاظ على أمنها. ثانيًا بالنسبة لاختراق حرمة الجو، لا بد من الإشارة إلى أن حرمة الجو التي قصدوها مخترقة تاريخيًا ومن قبل الصهاينة والأميركيين وحلفائهم وبموافقة النظام الرسمي ومشاركته هو الآخر بذلك الاختراق، ما يعني أن إيران لم تُشكل أي اختراق للمجال الجوي الأردني بل على العكس فعبور صواريخها ومسيراتها ما هو إلاّ تطهير لدنس الأعداء الذين امتهنوا المرور في سمائه.


ما سبق دفع مصدر مطلع في طهران إلى القول إن “القوات المسلحة الإيرانية ترصد بدقة تحركات الأردن، إبان تأديب الكيان الصهيوني، وفي حال شارك بأعمال داعمة للاحتلال سيكون الهدف التالي”.


ورغم ما أثير حول هذا التصريح من هراء خرج عن فئات ضالة، إلاّ أنه لا غبار عليه، فقد تعلمنا أن الخائن الذي يكون منّا أخطر على مشروعنا التحرري من العدو، واللبيب من الإشارة يفهم ما أريد قوله، وفي ذات السياق، أناشد القوات المسلحة الإيرانية ضرب سفارة العدوّ الصهيوني في الأردن وتسويتها بالأرض، وسنكون لها من الشاكرين إن وجهت في طريقها بضعة من صواريخها المباركة لعبدون حيث سفارة أميركا، الشيطان الأكبر.

عبور صواريخ طهران من الأردن لكيان العدو، دفع صناع القرار فيه لإفلات فئة ضالة يستفزها انتزاع الثأر، والكرامة، والحرية للأراضي المحتلة، لتكرّر ما يبثه إعلام العدو وحلفاؤه عن إيران ومحور المقاومة، تارة بإعادة نشر سيناريوهات كاذبة وأمرها مفتضح لشيطنة إيران ومحور المقاومة، تلك التي عمل عليها اعلام الأعداء وحلفائهم من غرب وثلة أنظمة عربية خائنة، منذ عقود والحديث عنها يطول، وتارة أخرى بتوهم مؤامرة تقودها طهران على الأردن والأمة العربية! وبث سمّ خطاب طائفي قميء أخجل للأمانة مَن نقله كون “ناقل الكفر كافر”.


والمضحك المبكي هنا مهاجمة طهران والمحور، والثناء على الغارق بالخيانة منذ عقود، ويتلقى مكافآت عليها وآخرها كانت باستمرار مده بمياه فلسطين المحتلة المسروقة إذ أعلن كيان الاحتلال “الالتزام بإمداد الأردن بالماء لمدة عام إضافي، بعد دوره في صد هجوم إيران والسماح للطائرات الأميركية بالعمل في أراضيه للتصدي للهجوم”، وفق إعلام العدوّ.


والمفارقة أن النظام الرسمي الأردني لا ينفك عن ادعاء بطولات مزيّفة، وانتصارات وهمية، حتّى أنه من شدة النفاق والتهريج الإعلامي يجعلك تظنه مرابطًا على الحدود! ويحمي الأقصى ويساند غزّة بمساعدات يلقيها هنا وهناك تقتل المدنيين أحيانًا بالتنسيق مع الأعداء. والأدهى غضب صناع القرار حين تنتقد عمالتهم، وتُعريهم فيهبون لزج الشباب المؤيد للمقاومة ومحورها في غياهب السجون، ومن ثمّ يدّعون زورًا وبهتانًا أن الأردن أكثر دولة دافعت عن غزّة والقضية الفلسطينية، فعلًا شر البلية ما يُضحك رغم اعتصار القلب ألمًا لحالنا، فيا لعارنا!

اساسياسرائيلالاردنايرانغزة