الهدف الأميركي من ضرب القنصلية الإيرانية

جاء قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وقتل قادة الحرس الثوري، كإعلان من “إسرائيل” أنها لم تعد تتحمل دعم الجمهورية الإسلامية لقوى محور المقاومة وخصوصًا المقاومة الفلسطينية، وأن جيشها وصل إلى حالة من الإرهاق أصابته بالعمى لدرجة ارتكابه مقامرة استراتيجيه بطلب أميركي، والرهان على أن تصيب هذه المقامرة هدفها وترهب القيادة الإيرانية، وقادة الحرس الذين يعملون على إيصال المدد إلى غزّة.


وقد وصف الكثير من محللي السياسة وصناعها والشخصيات السياسية الدولية على أن الضربة الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية في دمشق بالخطوة غير المحسوبة أوصلت الكيان الصهيوني إلى تحول خطير على صعيد انكشاف هالة الحماية المطلقة أمام هجمات صاروخية كبرى أثناء وقوع الحرب الكبرى.


ثم جاء الهجوم الإيراني الذي ما هو إلا سيناريو مصغر عما سيحدث إذا وقعت هذه الحرب الكبرى، وإلى اليوم فإن ما حدث سابقًا من هجمات صاروخية وبالطيران المسير من كلّ قوى المحور لم تكن سوى تليين للدفاعات الجوية الإسرائيلية واختبار لها، فالصواريخ والمسيرات التي أطلقت من اليمن والعراق خصوصًا وإن لم تصل أو وصل بعضها لم يكن المطلوب منها إصابة الهدف بقدر ما هو كشف لطريقة عمل هذه الدفاعات، واكتشاف نقاط ضعفها وقوتها.


ولأهمية الموقع المركزي لسورية وأهميتها بالنسبة للتواصل والدعم اللوجيستي لكل قوى محور المقاومة قررت الولايات المتحدة عبر “اسرائيل” القيام بهذه الخطوة لتتبعها خطوات في حال سكوت الجمهورية الإسلامية عنها واعتبار خسارتها كما كان بالنسبة لاغتيال القادة الإيرانيين المتواجدين على الأرض السوريه بأنها ضريبة تدفعها لدعمها حماس في غزّة وتبقى الأمور تحت هذا العنوان.


كان المخطّط الأميركي لما بعد ضربة القنصلية أن السلوك الإيراني لن يتغير عن السلوك السابق حين اغتيال القادة السابقين وأن الجمهورية الإسلامية ستتغاضى عن ضربة القنصلية، وكما هو الحال الاستمرار في السياق القائل بزيادة دعم قوى محور المقاومة أو قيام من يسمونهم “بالوكلاء” بتنفيذ أو زيادة هجماتهم على الأراضي الفلسطينية، وبالتالي مع مراوحة الحرب في غزّة واستمرارها على نفس النسق افترض قادة الصهاينة أن قيامهم بهذه الضربة وسكوت إيران سيفتح لهم باب الخروج من مأزق غزّة وذلك بالقيام بموجة من الهجمات تستهدف ما يسمونه القواعد الإيرانية في سورية واستهداف ما يمكنهم من قيادات وضباط الحرس الثوري في سورية. وبهذا يستطيعون تحقيق هدف قطع الإمداد والدعم العسكري عن غزّة، وإحداث خلل كبير في منظومة الدعم والاتصال بين أركان قوى محور المقاومة، ثمّ اغتيال من يستطيعون اغتياله في سورية ولبنان والعراق من قيادات فلسطينية ولبنانيه وعراقية، ثمّ استهداف وقصف مقر السفارة الإيرانية في بيروت، وهذا ما سيسبب في إحداث صدمة كبيره لدى قوى محور المقاومة والبيئات الداعمة لها وهذا ما سيؤسس لانهيار المقاومة في غزّة، وتحويل العجز الإسرائيلي هناك إلى نصر، وبعد ذلك القيام بموجة من الهجمات التدميرية على لبنان تطال كلّ البنى التحتية المدنية والعسكرية، وكلّ الأهداف والمراكز المفترضة للمقاومة من الجنوب إلى الشمال، مع تحريك قوى الشر المتمثلة بالمنظمات الإرهابية التي ستتحرك على الأرض بداية مع داعش في العراق، إلى جبهة النصرة في سورية ولبنان، إضافة للقوى اليمينية في لبنان وعلى رأسها القوات اللبنانية الذين سيتغلون الضربات الجوية وعزل المناطق عن بعضها وإيجاد موطىء قدم وبيئة حاضنة لقوات إسرائيلية تنفذ إنزالات في أماكن جغرافية مختلفة من البحر المتوسط إلى الأنبار وتقوم بدور توجيه للطائرات والقصف الجوي، وتشكّل غرف عمليات لإدارة القوات المتحالفة معها على الأرض، وهذا الأمر لو تم فبنظر الأميركي هو ما سيحدث التغيير المطلوب على مستوى الشرق الأوسط.


أمام كلّ هذا الخطر، والثغرة التي كان يمكن للإسرائيلي والأميركي استغلالها في حال صمتت الجمهورية الإسلامية عن قصف قنصليتها باعتبارها عنوانًا للضعف الإيراني، وعدم قدرتها على القيام بردة فعل كان التقييم الإيراني بضرورة القيام بعملية هجومية تطال الأراضي المحتلة وإبراز قوتها وعدم خوفها من الدخول في معركة كبرى يدخل فيها كلّ الإقليم.


ما هي نتائج الرد الإيراني:


أولًا: حوّل التهديد الإسرائيلي بمحاولة تغيير مسار الحرب الجارية إلى فرصة بدخول إيراني مباشر وضرب الأراضي المحتلة انطلاقًا من الأراضي الإيرانية.
ثانيًا: أفشل المخطّط الأميركي الذي تحدثنا عنه وأظهر هشاشة أمن “اسرائيل” القوميّ، وأظهر حقيقة العدوّ المتمثل بالولايات المتحدة والدول الغربية أنهم أصحاب المشروع الصهيوني وداعموه والمحافظون عليه عندما يتعرض لأي هجوم وهذا ما ظهر في مشاركتهم الفعلية وبكل قوة في التصدي للهجوم الإيراني.


ثالثًا: فتح بابًا أوسع للرد على عمليات الاختراق، والاغتيال التي قامت بها “اسرائيل” بالخصوص على الساحتين اللبنانية والسورية، فمثلًا اغتيال كاغتيال الشيخ صالح العاروري أو قادة الحرس في سورية قد يتم التعامل معه مستقبلًا بردود مختلفة عما جرى في السابق.


رابعًا: وهو الأهم وهو ما يخص الاعتداءات الصهيونية المتكرّرة على الدولة السورية؛ فالهجوم الإيراني أوضح بشكل جلي هشاشة الأمن والقوّة الإسرائيلية، وبالتالي قد تتّخذ الدولة السورية قرارًا بالرد على كلّ عدوان إسرائيلي يستهدف أراضيها وهذا أيضًا قد يطال الدول التي تسمح للطائرات الإسرائيلية بالمرور عبر أجوائها للقيام بالهجمات، ويأتي الرد السوري مدعومًا بكلّ قوى المحور مثلما دافعت الدول الغربية عن “اسرائيل” أثناء الهجوم الإيراني.

لا شك بأن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية هو قرار أميركي بامتياز، وما كذبة إبلاغ واشنطن بالضربة قبل دقائق، وسردية الإعلام بمحاولة نتنياهو جر واشنطن إلى الحرب إلا كذبة أكبر من الأولى، فالكيان الصهيوني بأكمله اليوم هو يعيش على أجهزة التنفس الاصطناعي الأميركية، ولا يمكن لنتنياهو ولا لقادة جيشه أن يتنفسوا أي نفس من دون قرار أميركي، وبالتالي ما نراه من حضور عسكري غربي وخاصة في البحار هو بمثابة جاهزية غربية مطلقة لأي فرصة سانحة للقيام بهجوم كبير عند حدوث أي تراخٍ من قبل محور المقاومة، فالسردية التي تحدثت عن إبلاغ واشنطن بالضربه قبل دقائق وسردية جر واشنطن للحرب هي سردية كاذبه وهي فقط لإيجاد مخرج للأميركي في حال الفشل، وكذلك سردية مشاركة الأردن في التصدي للصواريخ الإيرانية هي سردية كاذبة بحيث تحول الأنظار عن الدول الأساسية التي شاركت بصد الهجوم، وما مشاركة الأردن في هذا التحالف إلا كمشاركة جزر سيشيل بتحالف حارس الازدهار، فالجيش الأردني لا يملك من السلاح إلا السلاح الاستعراضي، والنظام الأردني باع سلاحه الذي كان يمتلكه إلى ميليشيات خليفة حفتر في ليبيا مقابل إمدادات نفطية، واستضاف على أراضيه العشرات من القواعد الغربيه للقيام بالمهمّة التي كان موكلًا فيها سابقًا وهي الدفاع عن “إسرائيل”، وتحول كلّ جيشه مع ملكه إلى قوات درك وقوات استعراض ترمي بعض الفتات بالمظلات للغزاوين بينما يمنح كلّ جغرافيته للقوى الغربية لتدافع عن “إسرائيل”.

اساسيالاردنايرانفلسطين