يعني مصطلح الحرب الأهلية كلّ صراع مسلح ينشب بين أبناء بلد واحد، وتتطلّب كما كلّ حرب وجود طرفين في الحدّ الأدنى ليتصارعا بالسلاح، أو عدة أطراف تتشكّل في جبهات متحاربة، وفي معظم التجارب التاريخية تنتهي بتسويات لمصلحة الغالب فيها.
واعتدنا في لبنان أن يستحضر هذا المصطلح جملة من التواريخ والأحداث المفصلية والأسماء، التي حُفرت في ذاكرة اللبنانيين بين عامي ١٩٧٥ و١٩٩١، ولا يعني ذلك أن قبل هذا وبعده كانت الأمور سمنًا على عسل. اعتمد تاريخ ١٣ نيسان ١٩٧٥ كذكرى ميلاد حرب أهلية أوقعت أكثر من ١٢٠ ألف قتيل، وعدد هائل من الجرحى والمفقودين والمخطوفين والمهجرين. واليوم، في ١٣ نيسان أيضًا، يمكن للمرء أن يرى الأطراف التي تفنّنت بالقتل والاجرام والإرهاب في تلك السنين وهي تحاول حتّى انقطاع النفس العودة بالسنين إلى هناك، حيث كانت قوّات قتل وفتنة وكتائب تنكيل وتحريض تتحرك بسلاح وأوامر “إسرائيلية” معلنة، يصرّح عنها أصحابها ببساطة بل وبفخر أيضًا.
لا حاجة لذكر لوائح الأسباب التي تدفع بمن شبّ على أن يكون قاتلًا فتّانًا إرهابيًا أن يسعى إلى دور مشابه يرافق شيبته، وقد قُصت أظافره وتضاءل حجمه وخسِر، مما خسر، حتّى ثقة المشغّل الذي تعب من توالي خيباتِ الأدوات ومن فشلهم المتراكم بفعل عدم تعلّمهم من تجاربهم السابقة، وبسبب مغالاتهم في الحقد حدّ ضرب عرض الحائط بكلّ معايير الفهم المعتمدة لدى الجنس البشري؛ فتراهم، وبدون مبالغة، ولصالح الصهيوني، مستعدين للوقوف في وضح النهار والصراخ والتباكي والتهديد والوعيد و”كي” الملابس العسكرية الرثة” لاتهام حزب الله، باعتباره القوّة التي تهدّد الصهاينة، بأنّه أطفأ الشمس! دون التفات إلى حقيقة أنّ “الشمس طالعة والناس قاشعة”!. للوهلة الأولى يظن السامع أن في الأمر نوعًا غير معروف من الجنون، حتّى يتبدّى أنّهم يعرفون جيّدًا ماذا يفعلون، وكيف يتعمَّدون المبالغة بالكذبة التحريضية بشكل يستفزّ أعقل العقلاء، على أمل أن “يزحط” حزب الله إلى حيث يطمئن الأميركي بإلهائه عن الجبهة ضدّ الصهاينة، وبحيث لا يعود مضطرًا إلى إرسال الموفدين والضمانات والوعود أو التهديدات التي يعود ويشرب “ميّتها” والتي تهدف جميعها إلى أن تهدأ الجبهة في شمال فلسطين المحتلة ما يتيح عودة آمنة للمستوطنيين الهاربين منها.
ولكن، على من يلعب هؤلاء لعبة الحرب الأهلية؟ على القوم الذين “يقاتلون أسياد هؤلاء”، ويدركون جيّدًا أنّه إن حدث وشعروا أن حان وقت تأديبهم، فلا الطائرات الأميركية ستقف كي تأخذهم على متنها، ولن يجدوا طريقًا أو بوابة يهربون عبرها إلى “اسرائيلهم” التي فرّ إليها عام ٢٠٠٠ من هم مثلهم، وما عادوا ولن يعودوا ولو زارهم ألف راعٍ يقف على خواطرهم المجرمة الوقحة المتكبّرة حتّى عن إظهار الندم الكذّاب، أو طالب بعودتهم ألف محب وألفا مبغض. حتّى هذا المصير المذلّ المصحوب بالعار المنقول حتمًا إلى مواليدهم، لن يكون متاحًا ولن يقبل به العدوّ الذي أصلًا يضيق ذرعًا بمن عنده منهم.
١٣ نيسان ٢٠٢٤: جبهة مشتعلة في الجنوب، وأهل القتل في نيسان ٧٥ ما زالوا على عادتهم، وإن رثّت ثيابهم الزيتية وتآكلت وما عاد ارتداؤها يخيف أحدًا، قل وإن صار أعلى ما في خيلهم الاختباء بعيدًا والقنص، بعد أن كانوا يضعون حواجز الخطف والذبح على الهوية، أو ربّما تسهيل مرور ومكوث عناصر العدوّ الأصيل، الذي يبدو قد فقد الثقة فيهم حدّ امتناعه عن توكيلهم بالمهام الصعبة، وصار يأتي كي ينفذها بيديه؛ كذا تقول الاحتمالات، وربما التجارب.
صنّاع الحرب الأهلية، الذين يظنون أن من بينهم قد ينهض بشيرهم في شخصية أخرى ويأتي على دبابة صهيونية مرّة جديدة، ينقصهم ليس فقط الذكاء الكافي لفهم أن مشروعهم قد سقط وصارت عظامه “مكاحل” ضائعة في ركام الجبروت الصهيوني المتهاوي، لكن ينقصهم أيضًا فهم أن ما يدعون إليه اليوم من حرب أهلية، هي حرب من طرف واحد، فمن يتمنون أن “يشيلهم من أرضهم” ويرفع من سعرهم عند معلّميهم، مشغول بقتال أسيادهم، وأسياد معلميهم، ويدرك أنّه بإسقاط الأسياد، الأدوات حُكمًا ساقطة.