يستقبل الجنوبيون الصامدون في القرى الحدودية الأمامية عيد الفطر المبارك بظروف مختلفة هذا العام، إذ بينما ينشغل الناس في باقي المناطق اللبنانية البعيدة عن الحدود مع فلسطين المحتلة بالاستعدادات المختلفة لاستقبال العيد، ترى الجنوبيين الصامدين يستعدّون أيضًا لاستقباله لكن بأحوالٍ لا تخلو من أصوات المدافع والغارات الحربية.
تحت أنظار طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، يتنقل السكان الصامدون في قرى قضاء صور الحدودية بين المحال التجارية التي ما زالت تفتح أبوابها لتلبي حاجات الناس المختلفة، وقد شهدت القرى تحركًا لافتًا في اليومين الأخيرين من شهر رمضان المبارك مع سعي الأهالي لتأمين حاجاتهم ليوم العيد.
القيام بجولة على المحال التجارية في هذه القرى عشية عيد الفطر، كفيلٌ بأن يُظهر لك حقيقة المشهد. تزدحم محال بيع اللحوم على نحو ملفت، يطلب أحد الزبائن طلبيته، يأخذها ويهم بالمغادرة، يودّع المتواجدين بكلمات معدودة وابتسامة عريضة ” كلّ عام وأنتم بخير، وبالنصر القريب إن شاء الله”.
تمر بعدها بمحل الحلويات الوحيد نسبيًا في هذه المنطقة القريبة من الحدود. تحاول جاهدًا لتحظى بمكانٍ قريبٍ منه لتركن فيه سيارتك، وستجده أيضًا مزدحمًا بالزبائن. خلال شهر رمضان المبارك كان عدد العاملين هنا لا يتخطّى الثلاثة، أما اليوم فقد تضاعف العدد بسبب ضغط العمل وإقبال الناس، ووفقًا للحاج محمد – صاحب المحال – كان المتوقع أن يقبل الناس على شراء الحلوى لأن “الجنوبي لا يتخلى عن تقاليد العيد مهما كانت الظروف”.
من الحلويات إلى ثياب العيد وفرحة الأطفال، حيث يعجّ متجر حنان بالزبائن لا سيما الأمهات والأطفال الذين لم تغادر الضحكات وجوههم فرحًا بملابس العيد الجديدة، أو البكاء لعدم خضوع الأمهات لأذواقهم في اختيار هذه الملابس. تتولى حنان مهمّة مساعدة الزبائن وعرض البضاعة عليهم، بينما يقع على عاتق ابنتيها مهمّة إعادة توضيبها وترتيبها على الرفوف. استرقنا لحظات لنتكلم إلى حنان وسط الفوضى الغارقة بها. تحدثت إلينا عن تحضيراتها لاستقبال العيد وأنها كانت رغم كلّ الظروف والتحديات مستعدة لتجهيز المتجر ومتفائلة أيضًا، لأن “الأطفال لا يفهمون لغة الحرب، ونحن شعب نحب أن نعيش الحياة رغم كلّ الآلام التي تحاصرنا”.
في طريقك وأثناء الجولة ستمر بمحطات الوقود ومحلات ميكانيك تصليح السيارات، ستجدها أيضًا مزدحمة، وإن حاولت أن تسأل الشاب عن إمكانية إصلاح عطل في السيارة سيجيبك وعلى وجهه ملامح التأسّف “لديّ اليوم عدد كبير من السيارات قيد الانتظار لأصلحها، الوقت ليس كافيًا، إذا كان بإمكانك العدوة بعد عطلة العيد فعلى الرحب والسعة”.
من أصحاب المحال التجارية إلى بيوت الأهالي الصامدين، حيث تجتمع أم علي وأم أمين لإعداد لائحة بالأغراض المطلوبة لتحضير كعك وإفطار العيد الصباحي المؤلف من المعجنات المختلفة. يحضّر الجيران اللائحة المطلوبة ويقومون من بعدها بتوزيع المهام فيما بينهم. وبكلمات لا تخلو من الدعاء بالفرج والنصر قالت إحداهن بلكنتها الجنوبية: “إذا في قصف مش يعني ما نكون مبسوطين بالعيد، هيّانا بعدنا صامدين ورح نضل بإذن الله.”
ختام الجولة كان عند مسجد إحدى هذه القرى، حيث قام إمام المسجد برفقة عدد من الشبان بتنظيف المسجد والساحة الموجودة أمامه استعدادًا لإقامة صلاة العيد في الصباح الباكر. عمل الشباب بهمّة كبيرة وقاموا بريّ شتول الورد المحاذية للمسجد أيضًا. انتهى الشبان من عملهم وراحوا يتبادلون الأحاديث حول مستجدات القصف الذي طال أطراف القرية، إلا أنه يبدو أن هذا النوع من الأحاديث بات روتينيًا بالنسبة لهم، دون أي جديد يذكر.
لم تزد حرب الصهاينة الوحشية على القرى الجنوبية الحدودية، أهل هذه القرى إلا إيمانًا وصمودًا وتمسكًا بأرضهم، وهم الذين أثبتوا للعدو دائمًا أنهم جزء لا يتجزأ من المقاومة بكلّ أشكالها، وها هم اليوم يثبتون مجددًا عبر صمودهم وإصرارهم على ممارسة نشاطات حياتهم رغم كلّ المخاطر والتحديات، أن رهان العدو على ترهيبهم وإبعادهم عن قراهم، هو رهان خاسرٌ وسيبقى كذلك، وأنه لا معنى لأعيادهم بعيدًا عن بيوتهم وأرضهم.