سلاح المقاطعة يصيب الشركات الداعمة للعدو

لم يكن التصريح الذي أدلى به رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو عن عملية المقاطعة الاقتصادية عام 2017 عبثيًا، حيث اعتبر حينها أن حملات المقاطعة تشكّل تهديدًا استراتيجيًا “لإسرائيل”. وقد بدا الأمر أكثر وضوحًا مع حملات المقاطعة العالمية التي انطلقت بشكل كبير وواسع جدًا تزامنًا مع الحرب الوحشية الصهيونية على قطاع غزّة.

يرى البعض أن حملات مقاطعة العدوّ الصهيوني والداعمين له تبدو أكثر تأثيرًا على المستوى الإعلامي وليس الاقتصادي، وذلك نظرًا لغياب الوعي والإدراك اللازم لدى الشعوب العربية والإسلامية لناحية أهمية تنفيذ هذه المقاطعة والمواظبة عليها، إلا أن ما أظهرته الإحصاءات والأرقام الصادرة مؤخرًا لنتائج المقاطعة، بيّنت الفعل الحقيقي منها وتأثيرها الكارثي على واقع الشركات المستهدفة بهذه الحملات.


لا بد أن نتائج المقاطعة أتت متفاوتة على صعيد الدول والقطاعات والشركات، ويأتي في مقدمتها الشركات التي دعمت بشكل علني الكيان الصهيوني من بداية حربه الوحشية هذه في أوكتوبر الماضي، وكان أبرزها شركة ماكدونالدز، عملاق الوجبات السريعة الأميركي. على الرغم من الزيادة الاسمية في الإيرادات بنسبة 8 في المئة إلى 6.41 مليارات دولار في الربع الأخير من عام 2023، فإن الشركة جاءت أقل من توقعات السوق المحدّدة عند 6.45 مليارات دولار، وقد أتى ذلك بعد اعتراف الرئيس التنفيذي للشركة، كريس كيمبكزينسكي، بانخفاض المبيعات في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، بما في ذلك الشرق الأوسط، وماليزيا، واندونيسيا.

من ماكدونالز إلى ستاربكس، حيث تحدث الرئيس التنفيذي لها لاكسمان ناراسيمهان، عن ضعف المبيعات وحركة المرور في مقاهيهم في الولايات المتحدة بسبب المقاطعة، فضلًا عن أنها لم ترق إلى مستوى توقعات السوق، مما دفع الشركة إلى مراجعة أهداف نمو مبيعاتها السنوية نزولًا بحوالي 4-6 في المئة.


دومينوز بيتزا، وهي شركة أميركية عملاقة أخرى، كان لها أيضًا نصيب من تداعيات المقاطعة المباشرة، خاصة في آسيا، حيث انخفضت مبيعات المتاجر بنسبة 8.9 بالمئة في النصف الثاني من العام الماضي. ويذكر أن شركة دومينوز بيتزا عمدت إلى توزيع وجبات مجانية على الجنود الإسرائيليين خلال الحرب، وقد اعترف دونالد جيفري ميج، المدير العام للشركة، بتأثير المقاطعة على مبيعات العلامة التجارية في آسيا.


وفي سياق متصل، شهدت مبيعات كنتاكي وبيتزا هت في الشرق الأوسط تراجعًا خلال الربع الأخير من عام 2023، حيث انخفضت مبيعات كنتاكي بنسبة 5 بالمئة وبيتزا هت بنسبة 3 بالمئة. وأرجع ديفيد جيبس، الرئيس التنفيذي لشركة “يام”، الشركة الأم لـكنتاكي وبيتزا هت وتاكو بيل، تراجع المبيعات إلى “الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط”.

الجدير بالذكر أن مع استمرار دعوات المقاطعة لمنتجات وشركات عالمية، لقيامها بدعم “إسرائيل” في حرب غزّة، قدّم عدد من هذه العلامات التجارية التي تشملها المقاطعة، عروضًا وتخفيضات “استثنائية” بعد بدء حملات المقاطعة لتجاوز آثار الأزمة، وفي ذلك علامة واضحة إلى مدى تأثير دعوات المقاطعة على هذه العلامات التجارية الشهيرة.

من ناحية أخرى، أشار العديد من الخبراء الاقتصاديين إلى دور هذه المقاطعة في تشجيع استهلاك المنتجات والبدائل المحلية والاعتماد عليها كبديل عن المنتجات المندرجة تحت قائمة المقاطعة لا سيما في الدول العربية، حيث ساهمت الحملة إلى حد ما في إنعاش التصنيع المحلي وتشجيع الشركات الوطنية على التنافس في تحسين مستوى الجودة والمواصفات والمعايير لتحظى بالثقة والقبول من قبل المستهلكين وبالتالي تشكّل بديلًا للكثير من مثيلاتها من المنتجات المستوردة.

ويبقى الأمر الأكثر أهمية، والمطلوب حاليًّا على صعيد حملات المقاطعة العالمية، هو تحول تلك المقاطعة إلى ثقافة وسلوك مجتمعي على نطاق واسع، وعلى نحو دائم ومستمر وليس فقط ظرفيًّا، لأن هذا المبدأ في مفهومه النظري وتأثيره العملي، يمثل شكلًا من أشكال المقاومة والنضال والدعم للشعب الفلسطيني المقاوم، وهو مهما كانت نتائجه وتداعياته، يجب ألّا يثنينا شيء عن القيام به، إيمانًا بما قاله يومًا الكاتب اللبناني الراحل سماح إدريس: “عند استحالة مقاطعة كلّ شيء، عودوا إلى مبدأ: قاطعوا ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا”.

اساسياسرائيلالمقاطعة