أميركا تستثمر اقتصاديًّا على حساب إبادة غزّة

تتأرجح التداعيات الاقتصادية للحرب الصهيونية على غزّة بين كفّتي السلب والإيجاب على الساحة الأميركية، وهي وإن بدت في ظاهر الأمر أنها تميل بشدّة نحو التراجع والتدهور، لكن في حقيقة الأمر ثمة زاوية أخرى رصدت أميركا من خلالها تداعيات الحرب، ونسجت عبرها مجموعة من الفوائد الاقتصادية الكبرى – المباشرة وغير المباشرة – المرتبطة بها وبالكيان المحتل.


تتكاثف في واجهة المشهد العام الدراسات والتحليلات التي تظهر على نحو منطقي وتحليلي حجم الانتكاسات الاقتصادية التي حلت وستحل باقتصاد الكيان الصهيوني على ضوء هذه الحرب، وبالتالي اقتصاد أميركا المرتبط باقتصاده، لكن الوجه الخفي القابع وراء هذا المشهد العام يحمل نظرية أخرى مرتبطة باستراتيجية التخطيط الاقتصادي الخبيث الذي تعتمده السياسة الصهيو – أميركية في تبنيها لهذه الحرب.

“مَن المستفيدون اقتصاديًا من حرب “إسرائيل” على قطاع غزّة؟” سؤالٌ تجيب عنه صحيفة “ديلي ستار” في مقال نشرته بعد اندلاع الحرب على غزّة، وتشير الصحيفة في مقالها هذا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية هي المستفيد الأول اقتصاديًّا من حرب غزّة بعد تل أبيب، إذ تسعى “إسرائيل” عبر سياسة الدمار والإبادة الجماعية التي تمارسها ضدّ سكان القطاع إلى إنشاء منطقة عازلة داخلية، تسمح لها بالوصول إلى مخزون الغاز والنفط القابل للاستخراج من القطاع الساحلي حيث توجد كميات كبيرة من هذا الاحتياط.

وفي السياق نفسه، تشير الصحيفة إلى دراسة أجراها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد”، تقول إن “القطاع الساحلي من غزّة والمناطق الفلسطينية التي تحتلها “إسرائيل”، تقع فوق خزانات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، مما يوفر فرصة لتوزيع وتقاسم 524 مليار دولار بين مختلف الأطراف في المنطقة”. وذكر تقرير الأونكتاد أيضًا أن “ما يمكن أن يكون مصدرًا للثروة والفرص يمكن أن يكون “كارثيًا” إذا تم استغلال هذه الموارد المشتركة بشكل فردي وحصري، دون المراعاة الواجبة للقانون الدولي والأعراف الدولية”

وفي هذا الإطار أيضًا، قالت الصحيفة إن هذا الأمر “يخدم اتفاقية التعاون طويلة الأمد بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” في مجال الطاقة، والتي تنص على أن تطوير “إسرائيل” للموارد الطبيعية يصب في “المصلحة الاستراتيجية” للولايات المتحدة”. وأضافت أن ظهور “إسرائيل” كواحد من أكبر اللاعبين في مجال الطاقة في الشرق الأوسط ينسجم مع حاجة الولايات المتحدة إلى تشديد قبضتها المخففة في المنطقة، في الوقت الذي تخوض فيه صراعًا مع الصين”.

أهداف الحرب الاقتصادية لم تقتصر فقط على ما ذكر، بل ثمة أيضًا شق واسع منفرد بنفسه، يتعلق بأرباح شركات تصنيع الأسلحة الحربية والعسكرية والتي شهدت – منذ بداية الحرب – تحليقًا كبيرًا في أسهمها على الساحتين الإسرائيلية والأميركية تحديدًا، حيث وجهت دعوات عدة للمستثمرين بزيادة حجم استثماراتهم في الشركات العسكرية على وقع حمام الدم المهدور في غزّة.

الدعوة للاستثمار في شركات الأسلحة لم تكن حديثة نسبيًا، وهي وإن بدت تحت مسمى “الدعوة إلى الإجرام” إلا أنها في مفهوم الأميركي والغربي والإسرائيلي لا تختلف عن الدعوة للاستثمار في أي قطاع اقتصادي آخر، دعوة تتزين بعبارات تشجيعية مغرية “ستغيّر قوانين اللعبة”، “ستغيّر شكل المعركة”، “ستحقق النصر”، لتدخل بعدها مرحلة التجارب والتي عادة ما تقام على جثث شعوبنا، ينتهي عملها، يخترعون أخرى جديدة، وبكل أحوالهم تلك لا يحققون نصرًا.

عملاقة الأسلحة الأميركيّة RTX
ارتفعت أسهم هذه الشركة التي تصنّع الرادارات والقذائف الموجهة، والشريكة في مشروع “القبّة الحديديّة” الإسرائيليّ، بنسبة 13.46 بالمئة منذ بدء الحرب. في السياق نفسه، شركة “General Dynamics”، التي تزوّد “إسرائيل” بقذائف مدفعيّة، ارتفعت أسهمها منذ بداية الحرب بنسبة 9.72 بالمئة، لا سيما مع الإعلان عن إرسال نماذج تجريبيّة من المركبات التكتيكيّة الخفيفة Flyer72 لاختبارها ميدانيًا في غزّة.


تطول لائحة هذه الشركات وتصل إلى كُبرى شركات الأسلحة الأميركيّة Lockheed Martin التي تزوّد “إسرائيل” منذ عقود بطائرات الـF16 والـF35 وصواريخ Hellfire وغيرها المئات من الأسلحة والمعدّات منذ عقود. ارتفعت أسهم الشركة، منذ بداية الحرب وحتّى 30 أكتوبر/تشرين الأول، بنسبة 10.65 بالمئة.


الجدير بالذكر أن تراجع مؤشر بورصة “تل أبيب” TA – 35 بنسبة 9 بالمئة من بدء العدوان وحتّى 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023. إلا أن التدهور الذي شهده الجزء الأعظم من الشركات الإسرائيليّة لم يمس شركات الأسلحة بأي سوء، إنما على العكس تمامًا، إذ على غرار الشركات الأميركيّة، تتحوّل المجازر الدمويّة إلى قفزات متوالية لشركات الأسلحة في بورصة تل أبيب.


نادرًا ما يتم الحديث عن الدوافع الاقتصادية الأساسية الكامنة وراء هكذا حروب، لا سيما في ظلّ احتدام الصراعات والنقاشات السياسية والعسكرية التي تطفو على وجه المشهد ككل، لكن سياسات الجشع الاقتصادية هي موجودة أيضًا وبقوة وهذا ما يشكّل سببًا من أسباب الدعم والزخم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة الأميركية “لإسرائيل”، وما يشهده أبناء غزّة وأطفالها من جرائم القتل والإبادة الجماعية هو ضريبة الأرباح التي ستحققها شركات أميركا و”إسرائيل” من حربهم الوحشية هذه.

اساسياسرائيلالولايات المتحدةغزة