بين أطفال غزّة وأترابهم.. فجوة حياة وأحلام

يمتلك أطفال فلسطين تجربة حياة فريدة مختلفة عن العالم، يكبرون فيها سريعًا على نحو لا يتذكرون تفاصيل الطفولة وأحلامها، ويعيشون تاريخ بلادهم قبل أن يقرأوا عنه في صفحات الكتب، وهو الذي لا يشبه تاريخ أي أمة.


على وقع الحروب والدمار يشيد أطفال غزّة أحلامهم، يغلّفونها بالكثير من الإرادة والأمل بأن تغدو، يومًا ما، حقيقة حيّة، يخافون عليها من بطش الصهيوني وآلته الإجرامية التي أبادت البشر والحجر، يحتضنونها ومعها قضيتّهم المقدّسة التي تخلى عنها الكثيرون من أشقائهم العرب والمسلمين.


الطفل المحاصر على امتداد سنوات كثير في قطعة أرض صغيرة، يعيش اليوم أشرس حرب وحشية وإبادة جماعية عرفها التاريخ البشري، يواجه القذائف والمدافع بلحمه وعظامه، بينما يقف العالم الذي يصنف نفسه متحضرًا، ومعه “الأشقاء العرب” متفرجين علنًا، داعمين سرًا لقاتله المجرم.


لأطفال غزّة الحصة الأكبر من آلام ومآسي الحرب التي يشهدها القطاع منذ أربعة أشهر، أكثر من 10000 طفل ارتقى شهيدًا على يد العدوّ الصهيوني، ووفقًا لبيان اليونيسف الصادر منذ أيام، فإن 17 ألف طفل في غزّة أصبحوا من دون ذويهم أو انفصلوا تمامًا عن عائلاتهم، وذلك بعد أن كانت المنظمة سابقًا قد صنفت قطاع غزّة بأنه أخطر مكان للأطفال في العالم وفقًا لتقرير آخر نشرته في شهر كانون الأول المنصرم.


في السياق نفسه ذكرت منظمة “إنقاذ الطفولة” في تقريرها الصادر في السابع من يناير 2024، “أن ما لا يقل عن 10 أطفال يفقدون سيقانهم كلّ يوم في قطاع غزّة الذي يتعرض لعدوان من الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي”، وأضاف التقرير أن معظم العمليات الجراحية للأطفال أجريت دون تخدير، كما لفت في هذا السياق إلى عدم توفّر الكوادر والمعدات الطبية في القطاع.


10000 طفل شهيد قضى الصهاينة على أحلامهم قبل أن يقضوا على ثقافة الحياة والوجود لديهم، أحلامهم بالعيش والدراسة والحياة الخالية من وقع الغارات والمدافع. ومن بقي منهم يتساءل عن مصيره المجهول تمامًا بين دفّتي الحياة والموت، مصير ترصده كاميرات العالم بدقة، في طابور لا ينتهي من الأطفال الباحثين عن طعام قد لا يحصّلون منه شيئًا رغم انتظارهم الطويل، وفي مشهد آخر لطفل غيرت القذائف ملامحه بعد أن نجا من تحت الركام، يحتضن أخاه الصغير مواسيًا ومهدئًا، وكلّ ما فيه يرتجف خوفًا وقلقًا.


تعددت جوانب معاناة أطفال غزّة في ظلّ هذه الحرب الوحشية، أزهقت الأرواح وتمزقت الأسر، دمّرت المدارس والبيوت وجميع مرافق الحياة، وفي ظلّ هذا الواقع المأساوي ارتفع مستوى الاضطرابات النفسية على نحو غير مسبوق لديهم، حيث أفادت اليونيسف عن وجود ما يقارب مليون طفل في غزّة بحاجة لخدمات الصحة النفسية، فضلًا عن حرب التجويع التي يشنها العدوّ باستهدافه للمخابز والأسواق والمحال التجارية منذ بدء الحرب، إضافةً لمحطات الوقود وخزانات المياه، يضاف لذلك الطقس العاصف والبارد الذي زاد معاناة الأطفال المقيمين في خيم ضمن مراكز الإيواء وأدى لانتشار الأوبئة والأمراض الشتوية، وأخيرًا وليس آخرًا قرار الحكم بالموت الذي أطلقته الدول الممولة للأونروا، بتعليقها عملية الدعم للمنظمة التي تساند ما يزيد عن 5 ملايين فلسطيني حول العالم، ويشمل العدد الأكبر من أطفال غزّة.

وابل من مشاهد إبادة الطفولة ترصده الكاميرات والأعين يوميًا، وأمامها يغلق العالم عينيه، ويتعمد إشاحة نظره، ليعود مجددًا لإلقاء خطاباتٍ إنسانيّة وشعارات مرتبطة بحماية حقوق الإنسان والطفل في الحياة والتعلم والعيش الكريم، شعارات ادّعى العالم تطبيقها عبر منظماته الحقوقية الدولية التي لم تفلح لغاية الآن سوى في إصدار التقارير والبيانات، ليثبت هذا الواقع مجددًا حقيقة لا لبس فيها، هي أن هذا العالم لا يحمي الضعيف، وأن الكلمة الفصل هي للقوة التي تفرض على العالم احترامك واعترافه بك.

اساسيطوفان الاقصىغزةفلسطين