أمّا بعد، فالحقد السياسيّ مرضٌ لا لقاح يقي منه، ولا علاج. وإن لم تجتهد المختبرات الطبيّة في البحث عن ترياق له، فلأنّه مرض قابل للاستثمار ويسمح للمصابين به بالظهور الإعلامي ولا سيّما حين يحتدم الصراع بين الحقّ والباطل.
ثمّة أسماء كثيرة تتوالى على الذهن حين يلفظ المرء أو يسمع مصطلح “الحقد السياسي”، وإن أردنا انتقاء مَن باتت إصابته به عتيقة ومشهودة ومتجذّرة، تتصدّر اللائحة بلا منازع، ميّ شدياق.
ظهرت ميّ لتكرّر خطابًا لا يقدّم جديدًا على أي مستوى، خطابًا بات ممجوجًا ملوثًا بالأضاليل وبالتناقضات وبالافتراءات، مطرّزًا باستدعاء الشفقة عبر غصّات لكثرة ما كرّرتها واستثمرت فيها وربطتها بالمقاومة تحت عنوان ما يُسمى في لبنان بالاتهام السياسي، باتت تثير التساؤلات حول قناعتها بما تقول أكثر ممّا قد تستدعي التعاطف الإنساني الطبيعي.
تعبّر مي بصراحة وببساطة عما يحاول قوله مواربةً الكثيرون من الطامحين إلى دور ما ضدّ المقاومة، والكثيرون ممّن يقدّمون عبر اللقاءات التلفزيونية أوراق اعتماد ترجو أن تتلقّفها سفارة غربية. لكنّ التعبير الصريح والبسيط الذي تتميّز به ميّ عن سائر نافثي السمّ لا يعني بالضرورة أنّها صادقة القول، ولا يعني أن ما تقوله على هذا المقدار من البساطة هو معطيات حقيقية أو وقائع. بكلام آخر، تعبّر ميّ عن حقد سياسيّ معتّق ببساطة، لا يُخجلها ما تشعر به من ضغينة غير مبرّرة تدفعها إلى كيل الاتهامات والأكاذيب، من دون رفّة عين.
واللافت أنّها تصرّ على اجترار أقوال وأحقاد ثبت عقمها حتّى لدى الذين يستثمرون فيها ويوظفون لتسويقها المبالغ المالية الطائلة. هذه المبالغ التي تقرّ مي بالحصول عليها من السفارات ولكن وجدت لها اسمًا بالانكليزية يجعلها تبدو وكأنّها تمويل طبيعي.
تقول مي إن حزب الله منعها من لبس “المايو” في سياق حديثها عن ثقافة الحياة التي تتغنّى بها وتدّعي حصرية فهمها وممارستها. في الجملة تلميحان كاذبان: الأوّل يتعلّق بشخصها إذ تفترض أن الحزب حاول اغتيالها ما أدّى إلى تشوّه جسدها وبالتالي إلى عجزها عن الاستعراض بلباس البحر، والثاني يتعلّق بكذبة تقول إن الحزب يمارس منعًا للناس من ارتداء ما يريدون. وهنا لا تعليق فالكذبة أوضح وأوقح من أن يُردّ عليها. وبكل الأحوال، إن كانت أزمة البلاد تُختصر بارتداء المايو من عدمه، فـ”يجعلها أكبر المصايب”!
كما تقول، بنفَس تهديدي صريح: “السلاح بينجاب”، في إشارة إلى احتمال مواجهة حزب الله في الداخل، وهو أمر نعلم جميعًا أنّه غاية ومنى الغرب، ولكن، لا الغرب ولا أدواته يجرأون. لكن نفس هذا الكلام، في الحديث ضدّ منظومة عسكرية تقاتل الصهاينة، هو إقرار من ميّ، والمصفقين لها، بالانتماء الصريح إلى المعسكر الصهيوني، وبذلك هم يرفعون عنا همّ اثبات ذلك بتتبّع المواقف الصادرة عنها ومقارنتها بالهواجس التي تؤرق “إسرائيل”.
بالعودة إلى ثقافة الحياة، التي تنحصر لدى شخصية من طينة ميّ بكأس مشروب كحولي و”مايو”، تدّعي ميّ كذبًا أنّها تنتمي إلى مجتمع يتقبّل الآخر وثقافته. دعنا من المجتمع، تكذب مي هنا بلا أدنى مسؤولية أو احترام لعقل الجمهور وذاكرته، فلم ننسَ بعد انهيارها النفسي وسخطها الدّال على أعصاب تعاني من رهاب رؤية الآخر حتّى، حين دخلت مطعمًا في بيروت واكتشفت كارثة أنّه لا يقدّم الكحول. يومها، قامت الدنيا وما قعدت في رأس ميّ التي تحاضر بقبول الآخر، بفصاحة.
ثمّ تعود إلى ما تسمّيه ثقافة الموت. تهاجم البعد العقائدي الذي يحمله الشيعة في مقاربتهم للموت شهداء وفي أسلوبهم في فهم الحياة والصراع بين الحق والباطل. تتباكى على أطفال يتعلّمون منذ الصغر أن الموت، النهاية الحتمية لحياتنا كبشر وككائنات حيّة، يجب أن يكون موتًا عزيزًا في ختام حياة تملؤها العزّة. ويالتالي هي تعبّر عن مشكلة عميقة لديها في فهم معنى الحياة وفي تقبّل فكرة العزّة، فمثلها يفترض أن الخضوع المموّه بكأس “ويسكي” وحفلة على الشاطىء نمط حياة يجب أن يُعمّم.
تدور مي في حلقة مفرغة، لا ندري إن كانت قد اختارتها بنفسها أو فرضتها عليها الظروف وعاشتها طويلًا ولم يعد من الممكن تغييرها. لكنّها في دورانها هذا، الذي يقارب الهذيان في مواضع كثيرة، تبثّ سُمًّا بات متوقعًا لدى بيئة المقاومة صدوره من أمثالها، وبات مضحكًا جدًّا!