بيئة المقاومة تحتضن أبناءها النازحين

بعيون فيها الكثير من اليقين وبكلمات تختزن كلّ معاني الصبر والثبات، تستقبلك الحاجة أم محمد في مكان نزوحها في مدينة صور، بعد أن اضطرت لترك منزلها الكائن في بلدة الناقورة (قضاء صور)، نتيجة القصف الصهيوني الذي طال القرية منذ أسابيع وألحق أضرارًا جسيمة بعدد من بيوتها.


تحكي لنا أم محمد عن ظروف النزوح في منطقتها الجديدة قائلةً: “نزحت أنا وعائلتي لأسباب خارجة عن إرادتنا، شعرت حينها بلحظات من الألم لأنني لا أعلم ما يمكن أن ينتظرنا من معاناة، إلا أن ما وجدناه هنا من استقبال واهتمام من قبل الأهالي والقيّمين، جعل عبء النزوح أخف ثقلًا علينا”.


تجربة أم محمد مع واقع النزوح لم تكن الوحيدة بالطبع، إذ في كلّ محطة، ولدى كلّ عائلة نازحة، ستكون أمام تجربة جديدة مختلفة بتفاصيلها، ولكن ما ستلحظه على نحو كبير هو تكاتف بيئة المقاومة واحتضان أهلها بعضهم لبعض رغم كلّ الصعوبات والتحديات الراهنة.


مظاهر التكافل والدعم الاجتماعي
قصص النزوح كانت جديرة بتسليط الضوء على بعض من تفاصيلها، كجزءٍ من عملية تصوير الواقع كما هو لناحية التكافل والدعم الموجود، لا سيما في ظل وجود حملات إعلامية تعمل على دحض الوقائع خدمةً لسياسات العدوّ التحريضية. وفي هذا الإطار كان لنا لقاء مع الدكتور شريف، ممثل حزب الله في وحدة إدارة الكوارث ضمن اتحاد بلديات صور، وقد أوضح لنا بعضًا من جوانب عملية التكافل هذه في ظل ظروف الحرب التي تشهدها المنطقة.


يشير الدكتور شريف إلى أن وحدة إدارة الكوارث قدمت العديد من المبادرات للأهالي النازحين في قضاء صور، كالعمل على تأمين مادة المازوت لخمسة مراكز إيواء (الجامعة اللبنانية الألمانية – مدرسة صور الوطنية – مهنية صور – المدرسة الرسمية المختلطة – والمدرسة الرسمية للبنات)، فضلًا عن القيام بتنظيف هذه المراكز وتجهيزها صحيًا.
على صعيد الاستشفاء، قدمت وحدة إدارة الكوارث عددًا من المستوصفات النقالة التي تعنى بإجراء حملات طبية تتضمن الفحوصات وتقديم الأدوية، بالإضافة إلى توفير خدمة الاستشفاء من المراكز الصحية التابعة للوحدة، والعاملة في نطاق مدينة صور وتشمل هذه الخدمات إجراء صور إِشعاعية وفحوصات مخبرية والحصول على أدوية مجانية من هذه المراكز.


من ناحية أخرى، أفاد الدكتور شريف بأن وحدة الكوارث قامت بالتنسيق مع اتحاد بلديات صور بتوزيع حصص غذائية على العائلات النازحة مرتين شهريًا، فضلًا عن الهدايا المالية التي تم منحها لها، مشيرًا إلى أن ثمة توصية جديدة تتعلق بمنح بدل سكن للنازحين المستأجرين تُدفع لثلاثة أشهر مسبقة، وسيتم العمل على تنفيذها قريبًا، والجدير بالذكر -وفقًا لشريف – أن فرق متابعة الأضرار والكشف عنها في القرى الأمامية المتضررة تتابع عملها وتحضيراتها للفترة المقبلة للتعويض عن كلّ الأضرار التي لحقت بالأهالي من جراء هذه الحرب.


يشير الدكتور شريف أخيرًا إلى أن ما تقدمه وحدة إدارة الكوارث بالتنسيق مع اتحاد بلديات قضاء صور، ينضوي تحت شعار “خدمة جماهير المقاومة وأهلها”، وأن هذا الأمر يعد “واجبًا وتكليفًا دينيًا وإنسانيًا” قبل كلّ شيء.

“وتعاونوا” حاضرة إلى جانب الأهالي
وفي السياق نفسه كان لنا لقاء مع رئيس جمعية “وتعاونوا” الحاج أبو فضل شومان، وقد تحدث فيه عن نشاطات الجمعية بشكل عام خلال فترة الحرب وتحديدًا في منطقة قضاء صور.


شومان ذكر أن من ضمن خطط العمل التي أعدتها الجمعية، كان هناك شق يتعلق بالتعامل مع الحروب والأزمات، وعلى ضوئها انطلقت في تحركاتها مع بدء الحرب في المنطقة الجنوبية الحدودية، لا سيما وأن هذه الجمعية انبثقت من صلب بيئة المقاومة.


مهام الجمعية بدأت مع الشروع في تأمين منازل للأهالي النازحين من القرى الحدودية منذ بدء الأحداث، وذلك عبر التواصل مع العديد من الخيّرين، حيث بادر الكثير منهم لفتح بيوتهم واستقبال الأهالي دون أي تردّد، أو السعي لتأمين بيوت جديدة، علمًا أن معظم النازحين أتوا خوفًا على أطفالهم بشكل أساسي، أو لإفساح المجال أمام المقاومين للعمل بشكل أكثر مرونة، لأن وجود الأهالي قد يشكل عبئًا على نشاطهم.


ويوضح شومان أن خدمة الأهالي تأتي في إطار “الواجب الإنساني والأخلاقي أمام التضحيات التي قدمتها المقاومة وجمهورها على امتداد تاريخ الصراع مع هذا العدوّ الصهيوني”. وعن المبادرات التي قامت بها الجمعية، قال إن هناك برنامجًا لتوزيع المساعدات المالية والحصص التموينية لـ 900 عائلة، بالإضافة إلى الحصص الغذائية التي وزّعت على ما يقارب الـ3000 عائلة، علمًا أن هذا الأمر يتم بشكل دوري (كل 20 يومًا تقريبًا).


من ناحية إضافية، عمدت الجمعية إلى تأمين المستلزمات الأساسية للنازحين في البيوت غير المجهزة، كمستلزمات النوم (فراش وأغطية…) وعدد من التجهيزات الكهربائية الأساسية (غسالات، برادات،…) وكل ما يلزم في هذا الإطار.
خدمات الجمعية شملت أيضًا الاستشفاء والرعاية الطبية عبر تأمين جزء من التكاليف لمن هم بحاجة لها من النازحين، وتأمين الأدوية وحليب الأطفال، فضلًا عن العديد من مبادرات التكافل التي نشأت في العديد من القرى الخلفية بالتعاون والتنسيق أيضًا مع الجمعية، والتي طالت الأهالي الصامدين وكذلك النازحين إلى تلك القرى، ليكون عدد العائلات الإجمالي التي شملتها خدمات جمعية “وتعاونوا” ما يقارب الـ 4500 عائلة. والجدير بالذكر أن عدد النازحين من القرى الجنوبية لم يتخطّ الـ 65.000 نازح مقابل ما يقارب الـ 240.000 نازح من مستوطنات العدوّ في الجهة المقابلة.


تثبت بيئة المقاومة بكل مكوناتها أنها بيئة حاضنة ومتكاتفة فيما بينها، وهي اليوم بثباتها وصبرها وإيمانها لا بد من أن تكون شريكة في رسم معالم النصر، وأن توجه للعدو رسالة لا تخلو من التحدّي والمواجهة، بأن لا يراهن يومًا على ضعف وتخلّي أهلها عن خيارهم الديني والوطني.

اساسيالنازحونجنوب لبنانلبنان