عن بايدن الغارق في “وحول الطوفان”

لم تكن تداعيات معركة طوفان الأقصى المقدسة “طوفانية” على مستوى كيان العدوّ والمنطقة فحسب، إذ امتدّت أمواجها لتطال دول العالم الحاضنة والراعية للكيان المحتلّ، وعلى رأسها دولة الشر اللامحدود، الولايات المتحدة الأميركية، بصفتها “الأم الحنون” التي انبعث من رحمها كيان أشدّ شرًّا وإجرامًا سمّي “إسرائيل”.

منذ اللحظات الأولى للحرب، كانت الولايات المتحدة الأميركية المشرف الأول على كلّ تفاصيلها، بدءًا من القرار وصولًا للتنفيذ والمضيّ قدمًا بعمليات الإبادة الجماعية في قطاع غزّة. وهي لا زالت وبعد انقضاء ما يزيد عن المئة يوم على الحرب، صاحبة القرار الأول والحاسم فيه، على الرغم من كلّ الهرطقات الإعلامية التي تطلقها أبواق الإدارة الأميركية بأن قرار الحرب يعود إلى حكومة العدوّ حصرًا، وأن ما تقدمه أميركا ينطوي على الدور الاستشاري والتنسيقي فقط.


نيران طوفان الأقصى أصابت عقر البيت الأبيض، ودوّت أصداؤها في مختلف أركانه، بعد أن أحدثت اهتزازًا كبيرًا في أوساط الجمهور الأميركي الذي كان الشاهد الأول على كذب ونفاق رئيسه وإدارته ومجالسه قبل أن يشهد العالم بأسره على ذلك. ولأن الانتخابات الأميركية تخضع على نحو كبير جدًّا لكلمة وموقف الرأي العام، فقد أظهرت الاستطلاعات مؤخرًا أن نسبة نجاح الرئيس الحالي جو بايدن في الانتخابات المقبلة هي فعليًا على المحك.


وفي هذا السياق، تظهر استطلاعات الرأي تراجعًا حادًا في شعبية بايدن في أوساط الناخبين الشباب واليساريين والأقليات، وبالأخص المسلمين، وهي الفئات التي ساهمت في فوزه على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وفقًا لتقرير نشره “ذا ريال نيوز” الأميركي، ومن المرجح أيضًا –في السياق نفسه – أن تتراجع شعبية بايدن من فئة المسلمين في انتخاباته القادمة مع إقدام الولايات المتحدة مؤخرًا على استهداف اليمن، لأنه أقدم بذلك على خرق الدستور الأميركي، وتحديدًا المادة الأولى منه التي تنص على وجوب أن تحظى هكذا خطوة بموافقة من الكونغرس.

تشير أرقام استطلاعات الرأي التي أجراها بايدن خلال الأسبوع الأول من شهر كانون الأول/ديسمبر، إلى أنه يواجه مشكلة غير مسبوقة لا تتمثل فقط بخسارة شريحة الشباب والأقليات، بل تراجع شعبيته بين الديمقراطيين أنفسهم بسبب موقفه الداعم “لإسرائيل” ودعمه اللامشروط لها. ففي انتخابات عام 2020، كان دعم بايدن من الناخبين الشباب أعلى بنحو 20 نقطة من دعم ترامب لكنّه الآن أصبح قريبًا جدًا من أرقام ترامب مع الناخبين الشباب في خمس ولايات متأرجحة رئيسية.
نقطة الخلاف الأخيرة هذه بين الرأي العام الأميركي ورئيسه الحالي تفاقمت مع طلب الرئيس الأميركي مساعدة عسكرية إضافية لصالح “إسرائيل” قدرت بقيمة 14 مليار دولار، وقد خلف ذلك نقاشات حادة داخل الكونغرس، ولم تكن تفاصيل الخلاف في هذه النقطة متعلقة فقط بكون هذه المساعدات ستستخدم في مجازر الإبادة الجماعية لأطفال ونساء غزّة، بل ارتبطت أيضًا باعتبار “”إسرائيل” دولة ثرية” ولا تحتاج أساسًا لهذه المساعدة.


وفي هذا الإطار أيضًا ذكرت صحيفة “فوكس نيوز” أن العمال الأميركيين – الذين يدفعون الضرائب التي تنفق في هذه المساعدات – “يستحقون أن يُبرر لهم لماذا يقع على الحكومة الأميركية أن تسد العجز الناشئ في التمويل العسكري الإسرائيلي، الذي نشأ جزء منه عن الاشتغال بالنشاط الاستيطاني الذي لا يؤدي إلا إلى تفاقم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتوسيع نطاقه”.


وبلغة الأرقام أيضًا، أشار استطلاع آخر للرأي أجراه موقع “غالوب” الأميركي في نهاية شهر نوفمبر المنصرم، أن 64% من الأميركيين يعارضون إدارة بايدن للوضع الحالي في الشرق الأوسط، بينما بلغت نسبة تأييدهم لبايدن في الاقتصاد والشؤون الخارجية والحرب على غزّة أقل من 32% بينما عارضها ما يقارب الـ 66%.


تواجه إدارة بايدن إذًا مأزقًا حقيقيًا في التصدي لتداعيات حرب غزّة على المستويين الداخلي والخارجي، فهي وإن بدت الداعم الأساسي والحاضن الأكبر لوحشية وإجرام الكيان الصهيوني، إلا أن دخان الخلافات والتناقضات الصهيو – أميركية بدأ يظهر إلى العلن بشكل كبير وفقًا للتسريبات الإعلامية، ولكن وفي نهاية المطاف، لا يسعنا القول سوى أن أميركا و”إسرائيل” هما حقيقةً روح شريرة ترقد بكيانين اثنين، و”شِبل” الإجرام وإن بدا مستقلًا وسيّد نفسه، إلا أنه ليس بمقدوره يومًا أن يخرج عن طوع “أسوده” الأشد إجرامًا.

اساسياسرائيلبايدنطوفان الاقصى