لا تحتاج الإجابة عن هذا السؤال للكثير من الاستدلال، أو التقصي والبحث لنعرف نتيجة هذه الحرب والتي بلغت يومها ما بعد المائة. يكفي أن نتابع ونقرأ الصحف العبرية لندرك بوضوح من المنتصر، ومن المهزوم في حرب المائة يوم على غزّة والتي قد تختتم أعمالها العدوانية الخالية من أهدافها العسكرية خلال الأسابيع القليلة القادمة استنادًا إلى مجريات القتال والخسائر العامة على جميع الأصعدة.
صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية: بعد مائة يوم، ما زالت “إسرائيل” بعيدة كلّ البعد عن هزيمة حماس، وعن القضاء على قادتها، وعن إطلاق سراح المحتجزين، وعن حل مشكلة حزب الله في الشمال.
صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية: عند نهاية الحرب، ستعود القيادة العليا للجيش “الإسرائيلي” والشاباك إلى بيتها، أما أولئك الذين لم يعترفوا بالمسؤولية عن فشل 7 تشرين الأول حتّى اليوم، فسوف يعترفون بذلك بعد تسونامي من الاحتجاجات في الشوارع.
صحيفة “”إسرائيل اليوم” العبرية: شنت حماس هجومًا في 7 تشرين الأول في غلاف غزّة، لكن موجات الصدمة محسوسة جيدًا في جميع أنحاء البلاد، فالهجوم لم يجرح الأمن فحسب، بل تضرر الشعور بالأمان، حيث أصبح المكان الأكثر أمانًا، وهو المنزل، فخًا للموت، وبعد عجز الجيش “الإسرائيلي” والذي يُعد من الأقوى في العالم عن المساعدة، ولّد شعورًا بالتخلي والعجز رافق كلّ “إسرائيلي”، وهو محسوس حتّى يومنا هذا في الجنوب والشمال وحتّى في الوسط.
هذه العينة البسيطة من التعليقات والتحاليل الصحفية تعبر عن خيبة الأمل عند المتابعين والجمهور الصهيوني، والتي تعكس الواقع الذي لا يمكن التعمية عنه حتّى في ظل الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام العبرية، لأن حبل الكذب قصير، أو لنقل إن الحقيقة التي يراها العالم اليوم رغم الدمار الهائل في قطاع غزّة، والتهجير القسري لسكانه، والإبادة الجماعية التي يقوم بها جيش الاحتلال في غزّة والعمليات العسكرية من قتل وتنكيل بأهالي الضفّة، لا يمك لأحد أن يقيّم هذا بالنصر على حماس، في الوقت الذي لا يزال فيه مقاتلو القسام يبهروننا كلّ يوم بفنون الشجاعة في القتال وإلحاق الهزائم بجنود الجيش الاسرائيلي، وهو ما عبر عنه الناطق العسكري لكتائب القسام أبو عبيدة عندما لخص عمليات الكتائب منذ الحرب وإلى الآن بإخراج وتدمير 1000 آلية ودبابة عسكرية، والسيطرة على الميدان رغم التفوق العسكري لجيش الاحتلال، وأكد على الاستمرار في المقاومة حتّى يخرج المحتلّ ويوقف الحرب دون أن يأخذ أسيرًا واحدًا حيًا، إلا بعد انهاء العدوان وعودة النازحين. وهو الموقف الذي عبرت عنه حركة حماس منذ الأيام الأولى للعدوان الاسرائيلي، بينما لم تحقق حكومة نتنياهو أيًا من أهدافها المعلنة في بداية الحرب.
سياسيًا، ما تزال حركة حماس تدير قطاع غزّة، حتّى المناطق في الشمال منه والتي دمرت بالكامل وهو ما تحدثت به وسائل إعلامٍ إسرائيلية عن أنّ السيطرة العسكرية على شمالي قطاع غزّة عادت إلى حركتي حماس والجهاد الإسلاميّ، مع دخول الحرب الإسرائيلية على القطاع يومها المائة.
وذكر الإعلام الإسرائيلي أنّ 50% من شمالي قطاع غزّة بات تحت سيطرة فصائل المقاومة الفلسطينية، لافتًا إلى أنّ ذلك يحدث بعد مئة يومٍ من الحرب المتواصلة، وبعد أن “كانت الفصائل تسيطر قبل أسبوعين على 30% من مساحته فقط”.
أما من الناحية الاستراتيجية فأفضل من يقدم رؤية شاملة لها هو الأمين العام لحزب الله والذي لخصها في خطابه الأخير وهو يكرم قائدًا استشهد على طريق القدس بعد أن أدى واجبه الجهادي وهو الشهيد وسام طويل الذي وضع مدماكًا مهمًا في طريق تحرير الأقصى قبل أن يرحل.
السيد نصر الله تحدث عن الكارثة الكبرى التي ستكون على الكيان المؤقت عندما تقف هذه الحرب وتصل الحقائق لوسائل الإعلام الاسرائيلية وما سيكون له من تأثيرٍ على الداخل الاسرائيلي المهزوز أساسًا، والذي بدأ منذ الآن وعلى لسان أكبر قادته السياسية كاليهود باراك وغيره من الذين عارضوا الحرب البرية على غزّة وتوقعوا نتائجها على الجيش الاسرائيلي، وبدأت المطالبات برحيل نتنياهو وحكومته المنقسمة حتّى قبل أن تنتهي هذه الحرب. هذا عدا عن الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها العدوّ نتيجة الحرب، وتكلفة النازحين من الشمال ومستوطنات غلاف غزّة، إضافة إلى الضربة القوية للاقتصاد الصهيوني التي وجهها أنصار الله في اليمن عبر البحر الأحمر ومنع السفن من الوصول إلى الموانئ الاسرائيلية.
ومن جهة أخرى أكد السيد نصر الله أن الجبهات الضاغطة على كيان الاحتلال من الضفّة ولبنان والعراق واليمن كلها عوامل تساعد في كتم أنفاس العدوّ المتخايل بقوةٍ أصبحت وهمية في أذهان الأجيال الصاعدة وبعيدة كليًّا عن البعبع الذي أراده الغرب من خلال زرع “إسرائيل” في المنطقة.. أي إن الإسرائيليين اليوم يشعرون بالخوف تجاه أصل وجودهم في المنطقة وهو مناف لمنطق التطبيع الذي كانوا يمهدون له في العالم العربي والإسلاميّ،
وهو ما تحدثت عنه التقارير التي تؤكد أن نصف شعب الكيان مصاب بالصدمة النفسية منذ السابع من تشرين الأول وحتّى اليوم.
هذه النقطة بالذات قد تعتبر أكبر من الخسائر البشرية والعسكرية لجيش الكيان الصهيوني، لأنها تمس عقيدته التي نشأ عليها على أرضٍ ليست له، وبشعبٍ أصله شعوب متجمعة.
اليوم خسرت “إسرائيل” سمعتها الدولية بعد أن وقفت لأول مرة متهمة بتهمة الإبادة الجماعية في لاهاي وإن لم تكن لتهمة جديدة فهي قديمة قدم عمر هذا الكيان الغاصب، لكنّها المرة الأولى التي تتعرى فيها أمام شعوب العالم بعد أن كانت ضحية الهولوكوست لعقود طويلة، وبعد تهمة معاداة السامية أصبحت اليوم متهمة بجرائم الإبادة الجماعية ولو لم يصدر قرار دولي يدينها من محكمة العدل الدولية فهي أصبحت ساقطة في نظر شعوب العالم ومن خلفها الداعمة لوجودها الولايات المتحدة الأميركية.
بكلمة واحدة خسرت “إسرائيل”، وربحت حماس حتّى قبل أن تنتهي الحرب، وأما الرابح الأكبر فهو حزب الله الذي أكد من خلال حكمة قيادته القدرة على التحكم في الميدان واللعب بقواعده وفقًا لمصالح لبنان، ومن خلفه فصائل المقاومة العراقية التي تلعب دورها بإتقان في سبيل تحرير العراق من تبعية سياسية وعسكرية واقتصادية أميركية، وبالوقت نفسه نصرة لغزّة وضغطًا على أصحاب القرار.
بالمجمل محور المقاومة متقدم بقوة أكبر، وعقيدة أوضح بأن الخوف لا ينجي الأوطان ولا يبني أجيالًا كما فعل العربان في الخليج الذي تأسف شعوبه اليوم على قادتها التي تقف مرعوبة من حماس وحزب الله وكتائب حزب الله ونأصار الله، بدل أن تقف معهم في نفس الخندق والميدان!