عن الإعلام المقاوم وحرب غزة.. الشاهد والشريك

لم تشهد رواية المقاومة الفلسطينية حضورًا وانتشارًا واعترافاً علنيًا بها كما جرى بعد أحداث السابع من أكتوبر، ونجاحها في إحداث ضربة تاريخية مؤلمة للكيان الصهيوني كان محط اعترافٍ علني لدى العديد من القوى العالمية العظمى، في مقدمتها كيان العدو نفسه ومعه أميركا الشيطان الأكبر وحلفائهم من الدول الغربية.

إستراتيجية المقاومة في عملية طوفان الأقصى التاريخية استمدت نجاحها من أمور جوهرية عدة، كان الإعلام المقاوم إحداها، حيث قدمت المقاومة نمطًا متفوقًا من إعلام الحروب، تمكنت عبره من إحداث تغيير كبير في الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، وفي إعادة تكوين الوعي العام حول حق الفلسطينيين في إستعادة أرضهم ودحر الإحتلال الصهيوني عنها.

من المتعارف عليه عمومًا أن إعلام الحروب بكل أشكاله يقوم عادةً على نشر الأكاذيب والإشاعات بحكم أنه جزء لا يتجزأ من خطة الحرب النفسية، إلا أن الإعلام المقاوم قدم نموذجًا مناقضًا تمامًا لذلك، نموذجًا صادقًا وشفافًا مرتكزًا على تبيان هزيمة العدو وفشله وإنكسارته العسكرية قبل كل شيء، ونقل هذه الصورة إلى أوساطه الداخلية للتأثير على قرارات الكيان السياسية والعسكرية.

هذا النموذج الإعلامي الاحترافي في العمل الحربي أثار دهشة الصهاينة إلى حد كبير، وقد أصبح بالفعل محط مصداقية لدى الجمهور الصهيوني على عكس المحتوى الكاذب والتضليلي الذي قدمته وسائل إعلام العدو في نقل الوقائع والأخبار العسكرية من أرض المعركة، وقد استفادت المقاومة في هذه المسألة من الحظر والرقابة المشددة التي فرضتها حكومة العدو على إعلامه، فاستثمرت تلك المساحة بشكل كبير مسببةً بذلك إرباكًا شديدًا لدى الأجهزة الصهيونية التي وجدت نفسها في الكثير من الأحيان مجبرة على الإعتراف بخسائر الجيش الفادحة على أيدي المقاومين.

احترافية الإعلام المقاوم ولا سيما العسكري، برزت أيضًا وبشكل كبير جدًا في تسجيله مقاطع فيديو وصورًا حية من أرض المعركة، حيث ظهر فيها كيفية إقدام المقاومين على تدمير دبابات العدو وآلياته وقنص جنوده، على عكس الصور والمقاطع التي كان يعرضها جنود العدو من أرض المعركة والتي لا يظهر فيها أي من المقاومين في الطرف الآخر من القتال.

هذه الاحترافية انسحبت أيضًا على التسجيلات المتعلقة بالأسرى، حيث نشرت المقاومة مقاطع مسجلة لعدد من الأسرى مباشرة بعد عملية الأسر، ليتبعها تسجيلات أخرى لاحقة يحذّر فيها الأسرى حكومتهم من القصف الوحشي الذي يمكن أن يودي بحياتهم، ليأتي بعدها إعلان المقاومة عن مقتل عدد من هؤلاء بسبب الغارات الإسرائيلية، الأمر الذي أثبت رواية المقاومة بهذا الشأن على نحو لا يحمل الريب.

والجدير بالذكر، أن الرواية الصهيونية حول تعرض الأسرى الصهاينة للتعذيب والاعتداءات والمعاملة السيئة، تم دحضها من خلال المقاطع المصورة لهم أثناء الأسر من جهة، وتصريحات الأسرى المفرج عنهم من جهة أخرى، والذين أشادوا بحسن معاملة المقاومة لهم والعمل على حمايتهم من الغارات والقصف الصهيوني وقد بدا ذلك واضحًا حتى اللحظات الأخيرة من تسليمهم عبر مواكبة المقاومين لهم أمنيًا، وهذا التواجد الأمني للمقاومين أثناء عملية التسليم كان له أيضًا دلالة أخرى، وهي دحض رواية الجيش الصهيوني حول سيطرته الكاملة على شمال قطاع غزة.

الانتصار الإعلامي للمقاومة في فلسطين شمل أيضًا كافة جبهات المقاومة الأخرى، لا سيما على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، حيث سطرت المقاومة ولا زالت، إنجازات مشرفة باستهداف مراكز العدو الصهيوني على امتداد الحدود اللبنانية الجنوبية، موثقة بذلك كافة العمليات وخسائر العدو، فضلًا عن جبهتي اليمن والعراق حيث يعمل الإعلام الحربي في كلّ منها على توثيق وبث عمليات المقاومين، وما بيانات وتصريحات القادة المقاومين سوى دليل وافٍ على حجم المصداقية والشفافية التي تعكسها المقاومة في هذه الجبهات.

نجح الإعلام المقاوم إذًا في تكريس صورة جديدة من الحرب النفسية مع العدو الصهيوني، وهذه الصورة لم تكن فقط في توثيق هزيمته، بل في نقل أصدائها إلى ساحته الداخلية وزعزعة واقعها اللاّمستقر في طبيعته، كما أنها أظهرت للعالم حقيقة ما جرى في السابع من أكتوبر بالرواية الأصلية الواقعية بعد أن بدّلت وسائل إعلام العدو ومعها الغرب، معالم الرواية الصحيحة، لتعيدها بذلك إلى مسارها الطبيعي بعيدًا عن محاولات التزييف والتضليل والكذب التي إعتاد الرأي العام العالمي عليها.

اساسيالاعلام الحربيالمقاومةغزةلبنان