تقود حكومة العدو الصهيوني حربها الوحشية الدموية على قطاع غزة وسط انقسام وتشتت داخلي لم يعرف مثله كيان العدو من قبل. وإن بدت الصورة إعلاميًا مغايرة لذلك، إلا أن الواقع الداخلي المرير والمأزوم الذي يعيشه الكيان المحتل لم يعد مكتومًا أو قيد الإخفاء نظرًا لتفاقم الشرخ القائم بين أعضاء الحكومة الصهيونية من جهة، وبينها وبين الجمهور الصهيوني من جهة أخرى.
لم تكن أزمة “انعدام الثقة” بين المجتمع الصهيوني وقادة العدو على اختلاف رتبهم ومسؤولياتهم، قضيةً جديدة أو وليدة أحداث ما بعد السابع من أكتوبر، بل هي في الأصل قضية ذات طابع تراكمي، بدأت مع بدء انهزامات العدو العسكرية والاستخباراتية، ليتبعها لاحقًا فشل حكوماته المتعاقبة في إصلاح الأزمات الاقتصادية والمعيشية لمستوطنيه وتحديد المسار الصحيح لسياساته الخارجية.
استطلاع للرأي أجراه “المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية” لهذا العام، تبين من خلال نتائجه الفجوات الفعلية القائمة بين المجتمع الصهيوني وحكومة نتنياهو، حيث أظهر هذا الاستطلاع الذي تناول عدة قضايا، أن الجمهور الصهيوني يفكر بشكل مختلف إلى حد كبير عن نهج الحكومة الحالية وعن فجوات كبيرة بين تطلعات هذا الجمهور وأهداف وتطلعات وإجراءات الحكومة.
وأظهرت النتائج الرئيسية أن الجمهور الإسرائيلي غير راض عن أداء الحكومة في مجال السياسة الخارجية بتسجيل 4.82 درجات من أصل 10 درجات، وهذا انخفاض حاد مقارنة بعام 2022، حيث قُيم أداء الحكومة حينها بـ 5.53 درجات، وهي أدنى درجة في السنوات السبع الماضية، وعن حالة العلاقات الإسرائيلية الأميركية أعطى الجمهور درجة 5.3 من 10 درجات، وهو انخفاض حاد مقارنة بعام 2022، التي بلغت درجتها 6.85، كما أنها أدنى درجة في السنوات الثماني الماضية.
وعلى مقلب آخر، شهد المجتمع الصهيوني، منذ بداية سنة 2023، صراعًا طويلًا واستقطابًا سياسيًا واجتماعيًا حادًا لم يعهدهما من قبل، على إثر شروع حكومة نتنياهو في الانقلاب القضائي، الذي هدف إلى إضعاف السلطة القضائية وإخضاعها للسلطة التنفيذية؛ وقد أدى الصراع الحاد بين حكومة نتنياهو وحركة الاحتجاج، ومجمل المعسكر المناوئ للحكومة، إلى تراجع شعبية نتنياهو وائتلافه الحكومي.
الصفعة الكبرى لحكومة نتنياهو اكتملت مع معركة طوفان الأقصى، حيث بدأت معالم الفجوة تبدو أوضح من أي وقت سبق، وهذا التناقض بين تطلعات الجمهور الصهيوني المتأزم نفسيًا ومعنويًا وأهداف حكومته اللاواقعية التي تخطت كل سيناريوهات البطولات والانتصارات الممكنة، بلغ يومًا بعد يوم – مع تدحرج كرة الانهزامات والخسائر الفادحة- مستوى عاليًا جدًا من انعدام الثقة في الحكومة الأكثر عنصرية وإرهابًا في تاريخ الكيان المزعوم.
تداعيات هذه الصفعة المدوية، برزت جلية في لغة الاستطلاعات والأرقام، حيث أظهر استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة معاريف بعد عملية طوفان الأقصى، مدى تأثير العملية ونتائجها في شعبية نتنياهو وحكومته. الاستطلاع الذي أُجري بعد خمسة أيام من العملية، ونُشر في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، يظهر أنه إذا جرت انتخابات الكنيست، فإن أحزاب الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو، ولها 64 مقعدًا في الكنيست الحالي، ستحصل على 42 مقعدًا فقط، أما أحزاب المعارضة فستحصل على 78 مقعدًا، علمًا أنّ أحزاب الائتلاف الحكومي قد حصلت في استطلاع معاريف السابق، الذي أجرته قبل عملية طوفان الأقصى بعدة أيام، على 55 مقعدًا مقابل 65 مقعدًا لأحزاب المعارضة.
هذا المجتمع المنهزم، المشتت الباحث عن هوية لا وجود مادي ومعنوي لها، يقابله مجتمع مقاوم شجاع متجذر في أرضه ملتصق بترابها، لم يتخل شعبه يومًا عن مسؤوليته في الدفاع عنها في كل الميادين، متلاحم ومساند لمقاومته في كل الظروف والمحطات، واثقٌ بها كل الثقة، جاعلًا منها الأمين الأكثر بأسًا على الأرواح، بعدما منحته شرف العيش بكرامة بعيدًا عن حياة الذل والقهر.
هذه المفارقة بين واقع يملؤه الذل والضياع والخيانة، وواقع مفعم بالثقة والعطاء والتضحية بالأرواح وما دونها، خلق حالةً أكثر شدّة من اليأس والتخبط وفقدان الثقة بين الصهيوني وحكومته. والشواهد في هذا السياق تظهر بين الحين والآخر عبر لسان إعلام العدو، لا سيما عندما يتعلق الأمر بنظرة الجمهور الصهيوني لقادة المقاومة بمختلف ميادينها، وعلى رأسهم سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
ثقة المجتمع الصهيوني بالسيد نصر الله بلغت اتساعا غير مسبوق، ولعل التصريحات التي تأتي من زوايا متشعبة من هذا المجتمع، تظهر نقدًا واستهزاء وسخرية بالعديد من قادة العدو وحكومته من جهة، وإعجابًا كبيرًا بحكمة وذكاء وصدق السيد نصر الله من جهة أخرى، وهذا الكلام اختصره مسؤول عسكري صهيوني رفيع المستوى حين قال: “لو كان حسن نصر الله يملك أسلحتنا لاحتل “إسرائيل” بثلاثة أيام ولو كنا نملك حسن نصر الله لاحتللنا العالم بثلاث ساعات”.