غزّة “تغربل” العرب: بين التواطؤ والمقاومة

استباح الكيان الصهيوني دماء الفلسطينيين في غزة على مرأى ومسمع المجتمعين العربي والعالمي، وبعد مضي أكثر من شهرين على حرب الإبادة الجماعية التي شنها الكيان الإجرامي الصهيوني، فإن المشهد بات أوضح مما سبق، في وصف حجم العجز والتواطؤ العالمي عمومًا والعربي على وجه الخصوص في الدفاع عن شعب عربي شقيق تمارَس في حق أبنائه وأطفاله أبشع المجازر التي عرفها التاريخ المعاصر.

بدأت الدول العربية لا سيما الخليجية منها، سلسلة من التنديدات لما ارتكبه العدو الصهيوني من مجازر ودمار، وسط دعوات مباشرة أحيانًا وغير مباشرة لوقف إطلاق النار في غزة، وتبع ذلك اجتماع لجامعة الدولة العربية التي عقدت قمة عربية إسلامية في الرياض، وشكلت وفودًا زارت عدة دول، إلا أن دعواتها كانت ضعيفة إنهزامية خافتة ولم تحدث أي أثر يذكر في مسار الحرب الوحشية.

لم يكن لسياسة “النأي بالنفس” التي اعتنقتها معظم الدول العربية تجاه ما يحدث في غزة سوى تفسير واحد، وهو أن جامعة الدول العربية بكل أعضائها قد وصلت لوضع مزرٍ جدًا، والدليل على ذلك هو عدم قدرة الدول المجتمعة على اتخاذ قرار عربي موحد يشكل ورقة ضغط على الحليف الأساسي للصهاينة في الحرب، الولايات المتحدة الأميركية، لتكفّ عن دعم الكيان الوحشي في حربه الهمجية.

العجز العربي في هذا السياق نابع أيضًا من الإنهيارات التي تعيشها العديد من الدول العربية على المستوى الداخلي، فضلًا عن غياب التضامن فيما بينها في مختلف المواقف، مما يعني عجزها عن كونها مستقبلًا كيانًا مستقلًا بقراراته، ويضاف إلى ذلك أن بعض الأنظمة العربية منع وبشكل صريح التضامن مع غزة حتى على المستوى الشعبي، في إشارة إلى أن القضية الفلسطينية لم تعد تعنيه، ولا وجود لها أساسًا، وأن ما يهمه فعليًا هو التطبيع مع الكيان الصهيوني على كافة المستويات، ليصبح الكيان الغاصب بالنسبة لهم “دولة محورية” في الشرق الأوسط.

هذا الإعلان الصريح المذل والمهين للأمة العربية ولمبدأ العروبة فيها، ترجمته هذه الدول واقعًا مزريًا، ليس فقط في تخليها عن دعم القضية، بل بمشاركتها في تطبيق الحصار على شعب غزة وإستمرار الحرب فيها، وآخر مظاهر العمالة كانت في  مبادرة الإمارات إلى إنشاء جسر بري بعد أن انشأت جسرًا جويًا، بهدف كسر الحصار الذي تفرضه القوات البحرية في القوات المسلحة اليمنية على موانئ كيان العدو والاحتلال الإسرائيلي، عبر استهداف السفن الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي، واستهداف ومنع كل السفن المتجهة إلى كيان الاحتلال من المرور في البحر الأحمر وباب المندب، وإجبارها على تغيير مسارها.

وفي هذا الصدد، كانت الإمارت قد عملت على مد جسر جوي إلى كيان الاحتلال الصهيوني، وكانت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، قد كشفت في 28 أكتوبر الماضي، عن جسر إمداد عسكري جوي من الإمارات إلى “إسرائيل” لدعم الأخيرة في حربها على غزة، وقالت الصحيفة إن طائرات شحن عسكرية إماراتية هبطت عدة مرات خلال شهر أكتوبر الماضي، في “إسرائيل”.

الدعم الإماراتي لم يقتصر إذًا على المستوى العسكري والأمني فحسب، بل عمدت الإمارات أيضًا إلى تخفيف حدة تداعيات الحصار البحري لقوات أنصار الله على الكيان المحتل، فأنشأت جسر شحن بري لنقل البضائع للكيان، ينطلق من دبي مرورًا بالسعودية وصولًا للكيان المحتل، وأشار الإعلام العبري إلى أنّ تجربة الجسر البري من موانئ دبي إلى “إسرائيل” تمّت بنجاح وقد جرى نقل 10 شاحنات عبرها.

هذا التواطؤ العربي مع قوى الطغيان والاستكبار العالمي في مواجهة أطفال ونساء غزة العزّل، واستباحة أرضهم وتدمير بيوتهم، يقابله مواقف عظيمة ومشرفة من قبل قوى المقاومة في أكثر من بلد عربي، قوى تقول وتفعل، وترمي وتسدد، وتقاوم بكل ما إستطاعت إليه سبيلًا، للوقوف إلى جانب الشعب المظلوم الجريح المستضعف، وما تسطره هذه القوى في كل الجبهات من عمليات وإنجازات عسكرية، يظهر صدقها ووفاءها ووحدة حالها في مواجهة الظلم والعدوان الوحشي لغزة وأهلها، وإن ما يجسده اليمن اليوم في هذا الإطار من تهديدات عسكرية وإقتصادية للكيان المتوحش، يشكل بحد ذاته عربون وفاء ووسام عز وكرامة للعروبة والعرب أجمع.

تنطلق الأنظمة العربية إذًا في دعمها للقضية الفلسطينية من مبدأين متناقضين، فبينما يرى بعضها أنه منفصل تمامًا عن القضية لصالح مستنقع العمالة والإجرام الصهيو-أميركي، وأنه يطمح لبناء علاقات مستدامة مع هذا الكيان المحتل المعتدي الغاصب، ممارسًا في ذلك إنحدارًا أخلاقيًا ودينيًا وإنسانيًا، يتبنى البعض الآخر القضية الفلسطينية على أنها قضية الأمة أجمع، ويتطلع لها من منظور المسؤولية الأخلاقية والشرعية والإنسانية التي تخص كل إنسان عربي، ويدفع في سبيل ذلك كل الوسائل والإمكانات المتاحة لديه، دفاعاً ومساندةً ونصرةً للمستضعفين والمظلومين في هذه الأرض.

اساسيالإماراتالسعوديةطوفان الاقصىغزةفلسطين