“انتصارًا لمظلومية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض في هذه الأثناء للقتل والتدمير والحصار في قطاع غزة”، هي مستهل أغلب بيانات العميد يحيى سريع الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية، التي يقوم بإعلانها بعد كل عملية عسكرية قامت بها القوات المسلحة اليمنية أو ما يعرف بحركة “أنصار الله” ضد أهداف إسرائيلية.
ولاستخدام هذه العبارة تحديدًا دلالة على مدى جدية اليمنيين في انخراطهم في هذه المعركة، كيف لا وقد عانى اليمنيون لمدة 7 سنوات بفعل عدوان دول التحالف عليهم، ما يعانيه الفلسطينيون منذ احتلال فلسطين عام 1948 ولا يزال الاحتلال قائمًا يقتل ويحاصر في كل يوم؟ فالدخول في هذه المعركة، وإعلان الحرب على “إسرائيل”، بالنسبة لليمن، هو وحدة مسار ومصير مع الشعب الفلسطيني المظلوم.
لكن لخطوة اليمنيين هذه آثار وتبعات، وضعت العالم مكرهًا بين خيارين، إيجاد حل لوقف إطلاق النار في فلسطين أو سيبقى تهديد الملاحة البحرية بين دول العالم و”إسرائيل” قرب السواحل اليمنية قائمًا.
العالم تحت الضغط اليمني
يعتبر مضيق باب المندب أحد أهم المضائق المائية في العالم، فهو يلعب دورًا مهمًّا ومؤثرًا في حركة التجارة المائية العالمية، حيث يؤمن للسفن التجارية القادمة من المحيط الهندي الوصول الى البحر الأبيض المتوسط وبالتالي الى الموانئ الأوروبية المطلة عليه، من خلال المرور فيه وعبور البحر الأحمر فقناة السويس، بدل الالتفاف حول القارة الأفريقية.
لكن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله، فعملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها المقاومة الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على غزة، دفعا محور المقاومة الى الاستنفار لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته عبر فتح عدة جبهات مع العدو بهدف تشتيت جهده عن غزة وبعثرة قوته في اتجاهات متعددة. فكانت الجبهة اليمنية أكثر جبهات المساندة حضورًا وثقلًا، والأكثر إيلاًما، لا حدود جغرافية متصلة بين اليمن وفلسطين حتى يقوم اليمنيون بزج قوات المشاة في المعركة، أو لاستعمال أسلحة تستهدف آليات وتجمعات جنود العدو كما هو الحال مع لبنان، ما دفع اليمنيين لإطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيرة تجاه “إسرائيل، إلا أن دولًا عربية لعبت دور خط الدفاع الجوي الأول عن “إسرائيل” وقامت بإسقاطها. لكن هذا الأمر لم يثنهم عن نصرة فلسطين، بل جيروا قدراتهم الصاروخية وطائراتهم المسيرة لاستهداف السفن التجارية وحاملات النفط المتجهة نحو “إسرائيل” من مضيق باب المندب.
ويعتبر هذا التهديد هو الأول من نوعه في التاريخ الحديث إذ لم يسبق لأي قوة أن قامت بإغلاق أحد ممرات التجارة العالمية غير حركة أنصار الله، وهذا الفعل إن دل على شيء، فهو يدل على أن الحركة تمثل قوة إقليمية صاعدة قادرة على تغيير سياسات دولية والتلاعب باقتصاد العالم إذا ما أرادت.
لكن اللافت في الأمر والجدير ذكره، هو تعارض التصريحات حول هذه القضية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومن ينتهج سياستها من جهة، وحركة أنصار الله من جهة ثانية. فمن جهته صرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية أن “هجمات المسلحين الحوثيين المستمرة على السفن التجارية في البحر الأحمر تعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وتهديًدا للتجارة العالمية” في حين أكدت الحركة بشكل واضح في بيان لها حرصها على سلامة الملاحة البحرية واستهدافها للسفن المتجهة من وإلى “إسرائيل” حصرًا بحال عدم السماح للمساعدات بالدخول الى قطاع غزة، حيث صرحت على لسان العميد سريع عن “منع مرور السفن المتجهة الى الكيان الصهيوني من أي جنسية كانت إذا لم تدخل لقطاع غزة حاجته من الغذاء والدواء، وحرصًا منا على سلامة الملاحة البحرية نحذر جميع السفن والشركات التعامل مع الموانئ الاسرائيلية، وتؤكد القوات المسلحة اليمنية حرصها الكامل على استمرار حركة التجارة العالمية عبر البحرين الأحمر والعربي لكافة السفن والدول عدا المرتبطة بالإسرائيلي”.
التعامل مع التهديد والتهديد المضاد
يسعى الأميركيون ومن لف لفيفهم الى تظهير الحركة حركة إرهابية يجب وضع حد لخطرها والمبادرة الى ايقافها عند حدها ومنعها من استهدافها للسفن التجارية وغيرها في مضيق باب المندب من خلال الضغط عليها بشتى الوسائل الممكنة. أما البعد غير المعلن عنه فهو صد هجمات الحركة ضد “إسرائيل” لتخفيف الضغط على الأخيرة وإراحتها من الخطر اليمني لتمكينها من مواصلة جهودها في الحرب على غزة دون تشتيت الجهد والتركيز على هدف القضاء على حماس والتحول للدفاع ضد الخطر اليمني. فبعد أن أعلن رئيس مجلس الأمن القومي الاسرائيلي تساحي هنغبي أن “”إسرائيل” أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية بأنه إذا لم يتحرك العالم لقمع هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر فإن “إسرائيل” ستتحرك عسكريًّا إزاء ذلك”، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحريك قطعها البحرية وعلى رأسها حاملة الطائرات “أيزنهاور” عبر مضيق هرمز لدخول البحر العربي والقيام بدوريات لحماية الملاحة الدولية ودعم القوات الأمريكية في المنطقة. كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعد نقاشات بين كبار مسؤوليها ومسؤولي دول أخرى بتشكيل تحالف دولي متعدد الجنسيات بذريعة حماية التجارة في البحر الأحمر، يضم تسع عشرة دولة، تم الاعلان عن بعضها وهي: بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وايطاليا والنرويج واسبانيا وسيشيل، أما البعض الآخر فقد رفض الاعلان عن هويته، إنما ينقل عن البنتاغون أن بعض الدول الرافضة للإعلان عن انخراطها في التحالف هي دول عربية وترفض الاعلان عن نفسها لمعرفتها أن التحالف مصمم لحماية سفن مرتبطة بـ”إسرائيل”.
تلقى اليمنيون خبر الاعلان عن تشكيل التحالف بروح معنوية مرتفعة مشددين على عدم تراجعهم عن قرارهم بدعم الشعب الفلسطيني، محذرين دول التحالف الجديد من ارتكاب أي حماقة باستهداف اليمن وتوسيع الصراع، كما جاء على لسان المتحدث الوطني لليمن السيد محمد عبد السلام، كما هددوا باستهداف الجسر البري المستحدث لتعويض “إسرائيل” عن الخط البحري الذي يمر في مضيق باب المندب، والذي يمتد بين الإمارات و”إسرائيل” مرورًا بالسعودية والأردن.
أما على المستوى الشعبي، فقد تداول بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي اليمنيين موضوع تشكيل تحالف ضد اليمن مؤكدين على دعمهم لحركة أنصار الله في موقفها من الحرب على غزة ومتوجهين لدول التحالف بحرب نفسية مضادة مرة وبالتأكيد على عدم جدوى التحالف مرة أخرى.
الأبعاد من تشكيل التحالف
في ظاهره، قد يبدو الاعلان عن تشكيل التحالف تصعيدًا جديًّا في وجه اليمنيين وخطوة جديرة بكسب ثقة العالم بالسياسة الأمريكية التي تسعى لإظهار نفسها ساعيًا لتحقيق سلامة الملاحة البحرية من جهة، وطرفًا يسعى لخفض شدة التوترات في المنطقة من جهة أخرى.
إلا أن الأسئلة التي تتبادر الى الأذهان هنا، ألا يجدر بالولايات المتحدة الأمريكية كبح جماح الاسرائيليين والضغط عليهم لوقف إطلاق النار ما يؤدي الى خفض شدة التوترات تلقائيًّا؟
وما مدى جدية الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة تحالف يشن الحرب على اليمن في ظل احتمالية نشوب حرب اقليمية أكبر وتدخل أطراف أخرى مثل إيران في الصراع بعد أن أعلنت الأخيرة فتح باب التطوع للمشاركة في عمليات بحرية محتملة؟ وهل دول المنطقة الداخلة في التحالف قادرة على تحمل ضربات كردة فعل لحربها على اليمن؟
من الواضح أن الجواب عن هذه الأسئلة هو النفي. فلا الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع الوضع في غزة كطرف يسعى لوقف اطلاق النار، ولا هي بوارد القبول بالتصعيد بالحرب في المنطقة خصوصًا بعد اعلان الرئيس الروسي بوتين تعزيز دور الثالوث النووي ومعرفتها المسبقة باحتمالية عدم قدرة “إسرائيل” على الصمود، ولا دول المنطقة جاهزة لتلقي ضربات من محور المقاومة.
لكن ما يمكن قوله، إن هذا الاعلان عن تشكيل التحالف أتى بمثابة مناورة سياسية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية تسعى من خلالها الى أمرين، أولهما هو ردع اليمنيين عبر دفعهم للتراجع عن أعمالهم العدائية تجاه السفن المتجهة الى “إسرائيل” والتي يمتلكها إسرائيليون وإلا فالحرب ستنتقل الى بلادهم، والثاني هو التخفيف عن الحكومة الاسرائيلية بعضًا من الضغوط التي تواجهها في الداخل الاسرائيلي وأهمها هنا هو ايجاد حل لمعضلة اليمن التي تهدد النازحين من مناطق الصراع نحو الجنوب وتهدد حركة السفن والاقتصاد الاسرائيلي، ما يجعل بيد الحكومة ورقة تشهرها أمام مطالبيها بإيجاد الحلول، فتقول إن الخطر اليمني تواجهه عنا تسع عشرة دولة أما نحن فعلينا التفرغ لحماس وحزب الله.
خاتمة
اليمنيون مصممون على مساندة المقاومة الفلسطينية مهما بلغت التضحيات. حفاة الماضي باتوا قوة اقليمية تمتلك أكثر الصواريخ تطورًا، يهددون بها رابع أقوى جيش في العالم، ومواجهتهم تستدعي تحالف أقوى دول العالم.
لا شيء يمكن خسارته بالنسبة إليهم أهم من المبدأ ونصرة الحق والمستضعفين، ومفتاح الحرب الكبرى بيدهم، فهل يجرؤ التحالف على طرق باب الحرب؟