شكّل دخول القوات المسلحة اليمنية وتحديدًا حركة أنصار الله إلى خطوط المعارك بين الصهاينة والمقاومة الفلسطينية، علامة فارقة في مجرى الأحداث وتطوراتها. وقد جاء هذا الانخراط في الحرب الدائرة “انتصارًا للمظلوميّة التاريخية للشعب الفلسطيني” وفق ما صرح به المتحدث باسم الحركة المقاوِمة.
انخراط أنصار الله في الحرب بدأ بعمليات محددة، تطورت بعدها من حيث الكم والنوع وفقًا لتطور المعارك على الأرض، واستمرارية الاحتلال بممارسة وحشيته وحصاره لسكان غزة، وارتكابه للمجازر والإبادات الجماعية بحق سكان القطاع. وهذه العمليات وإن بدأت بإطلاق الصواريخ والمسيرات اتجاه الأراضي المحتلة، إلا أنها تطورت بشكل دراماتيكي نوعي لافت لتشمل استهداف كل السفن الإسرائيلية من جهة، وتلك المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة مهما كانت جنسيتها من جهة أخرى، في حال مرورها في البحر الأحمر.
الخطوة التي اتخذها الحوثيون مؤخرًا شكلت عامل تهديد مهم لاقتصاد الكيان الصهيوني، وزادت على نحو كبير ومؤثر جدًا من معاناته وانتكاساته التي بدأت منذ السابع من أكتوبر. وفي هذا السياق يشير أحد الأبحاث الصادرة عن شركة Freightos للتكنولوجيا الفائقة، وهي منصة رقمية لإدارة الشحن، أن “في أسعار شحن البضائع القادمة إلى الموانئ “الإسرائيلية” من الصين أو العكس زيادة بعد اندلاع الحرب”.
وحسب بيانات الشركة، فإن سعر شحن الحاويات من الصين إلى ميناء أشدود ارتفع بنسبة تتراوح بين 9% و14% في الأسبوعين الأخيرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول، وهو رقم رفع كلفة الشحن بنحو 5% منذ اندلاع الحرب، مما يعني أن عمليات الحوثيين كان لها تأثير كبير على الملاحة الصهيونية، بعد أن تسببت بزيادة تكاليف الشحن على نحو مضرّ بالشركات.
هذه الزيادة في تكاليف الشحن تعود – وفقًا للخبراء الاقتصاديين – إلى ارتفاع تكلفة التأمين، وكذلك طول المسافة التي تقطعها السفن، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الشحن، وقد يؤدي أيضًا إلى تلف بعض المواد، لا سيما في الشحنات القادمة من منطقة جنوب شرق آسيا باتجاه فلسطين المحتلة، أو التي تصدّرها دولة الاحتلال إلى تلك المناطق، والجدير بالذكر أن تكرار عمليات قوات أنصار الله قد تدفع الكيان المحتل للبحث عن طرق بديلة، وهو ما يعني ارتفاع التكاليف بشكل أكبر، ما ينعكس سلبًا على تجارة دولة الاحتلال الخارجية.
عمليات أنصار الله ظهرت نتائجها أيضًا ومؤخًرا في إعلان العديد من شركات الشحن الصهيونية والعالمية التوقف المؤقت عن توجيه سفنها لموانئ دولة الاحتلال، يأتي في مقدمتها شركة “CMA CGM” وهي ثالث أكبر شركة شحن في العالم، إضافةً إلى شركة الشحن العملاقة “ميرسيك” الدنماركية، والتي أعلنت أنها ستوقف جميع سفن الشحن عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر، وسوف ترسلها في رحلة حول أفريقيا.
وفي هذا الإطار، كانت شركة “اباغ لويد” الألمانية قد أعلنت إيقاف رحلاتها التجارية عبر البحر الأحمر حتى 18 ديسمبر/ كانون الأول، وذلك بعد ساعات من الإبلاغ عن تعرض إحدى سفنها لهجوم بالقرب من اليمن.
مقابل هذه المعطيات المهمة، وإضافةً إلى التداعيات الحاضرة والمستقبلية المؤثرة التي ستحملها هذه الأحداث على الاقتصاد الصهيوني وحتى العالمي، فإن الحكومة الصهيونية حاولت ولا زالت تحجيم أهمية العمليات التي تقوم بها جماعة أنصار الله، كما أن الخطاب الرسمي الصهيوني يقلّل تأثيرات ما يقوم به اليمنيون على “إسرائيل” ومن فاعلية قدراتهم العسكرية أيضًا، وقد بدا ذلك واضحًا من خلال طريقة تعامل الإعلام الصهيوني مع حادثة الاستيلاء على سفينة “غالاكسي ليدر” وغيرها من العمليات العسكرية الأخرى التي نفذها أنصار الله في البحر الأحمر.
هذا التجاهل “المتعمد” من قبل الحكومة الصهيونية لتهديدات اليمن يدل في حقيقة الأمر على الخسائر الكارثية التي ستتكبدها حركة الملاحة الصهيونية وبالتالي الاقتصاد الصهيوني، وما تحاول حكومة الاحتلال إخفاءه إعلاميًا، تبيّن تصريحات المحللين السياسيين والخبراء الاقتصاديين الصهاينة نقيضه تمامًا، لا سيما في ظل وجود أرقام تثبت حجم الضرر الاقتصادي الموجود، وزد على ذلك، أن أميركا أعلنت عن إنشاء قوة دولية بحرية لصد هجمات اليمنيين، وقد انتشرت قطع بحرية أميركية وأخرى فرنسية وبريطانية في مضيق باب المندب لهذا الغرض.
أثبت اليمن اليوم وعبر حركة أنصار الله، أنه جزء ثابت وأساسي في محور المقاومة، وأنه رغم الحصار والتهديدات الموجهة له، فإنه لن يتخلى عن الهدف الأسمى للمسلمين، وهو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى من الكيان الصهيوني المحتل الغاصب، وما يقدمه اليوم في معركة طوفان الأقصى هو جزء يسير مما يمتلكه في هذه المواجهة، وهو حاضر وجاهز دائمًا لكل الخيارات التي يمليها عليه واجبه الأخلاقي والشرعي والديني والإنساني لنصرة المظلومين في فلسطين ووقف آلة الحرب الوحشية الإجرامية ضدهم.