لا شك أن معركة “المصداقية” بين الإعلام الصهيوني وحكومته قد شهدت اتساعًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، ويأتي ذلك في ظل استمرار الحرب الوحشية التي يخوضها الكيان الصهيوني على قطاع غزة منذ سنوات عديدة، في محاولة منه لتنفيذ إبادات جماعية بحق أهل غزة وعزلها المميت عن العالم.
المشهد نفسه يتكرر في كل مرة، وعند كل حرب يخوضها الكيان الإجرامي مع المقاومة بكل انتماءاتها، إذ تَظهر صورة التناقض بين الحكومة والإعلام الصهيوني من جديد، لتبدأ معها جولة جديدة من تبادل الاتهامات والأكاذيب بين الطرفين، ولعلّ مشهد الحرب الدموية في غزة اليوم هو أهم هذه “الجولات” وأكثرها شراسة منذ مدة طويلة.
أوجه التناقض بين تصريحات الحكومة الصهيونية ووسائل الإعلام في الكيان المحتل بدت واضحة في العديد من المواقف والأحداث خلال فترة الحرب هذه، منذ بدايتها في السابع من أكتوبر لغاية يومنا هذا. والأمثلة بهذا الصدد عديدة تأتي في مقدمتها تصريحات العدو وجيشه حول قصف المحتفلين في غلاف قطاع غزة في يوم السابع من أكتوبر وسعيهم إلى تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية هذا القصف، فضلًا عن المجزرة الوحشية في مستشفى المعمداني والتي سعوا أيضًا إلى توجيه التهمة فيها بشكل مباشر لصواريخ المقاومة.
يتبع ذلك وقائع الغزو البري والانتصارات”الوهمية” التي يتحدث عنها جيش العدو باكتشافه لعدد من الأنفاق خاصة في مبنى مستشفى الشفاء، فضلًا عن التصريحات المقتضبة جدًا والغامضة حول أعداد القتلى في صفوف جيش الاحتلال وفي صفوف المدنيين كذلك، إن كان في قطاع غزة أو على الحدود اللبنانية الجنوبية، والتي تبدو وفقًا لهذه التصريحات أقل بكثير مما هي فعلًا، إلى أن وصل الأمر مؤخرًا لمحاولة الحكومة الصهيونية الترويج لرواية التعدي الجسدي على المخطوفين الصهاينة الذين تم إخلاء سراحهم خلال الهدنة المؤقتة.
هذه التصريحات بمضامينها المتنوعة، غالبًا ما تصطدم بمعطيات مناقضة صادرة عن وسائل الإعلام الصهيونية، حيث تعمد هذه الأخيرة إلى التأكد من صحة المعطيات التي تنشرها الحكومة للرأي العام الصهيوني والعالمي، والتي غالبًا ما تأتي معاكسة بشكل كلي أو جزئي للواقع، لتكشف بالتالي حجم الكذب والتضليل والتحريف والتضخيم الذي تمارسه الحكومة في سبيل حشد تعاطف ودعم المجتمع الصهيوني والدولي حولها، وتبنّي القرارات الصادرة عنها في محاولة للتقليل من تداعيات “فشل” هذه القرارات على الكيان الصهيوني وكذلك الأطراف الداعمة له.
أمام هذا الواقع، تجد الحكومة الصهيونية نفسها في مواجهةٍ وتحدٍّ داخلي كبير، وهذا التحدي مرتبط بشكل واسع بقدرتها على “ترويض” الرأي العام الصهيوني، بحكم أن” الإعلام العبري” له تأثيرات كبيرة في عملية توجيهه وتحديد اختياراته السياسية، مما دفع هذه الحكومة إلى درس احتمالية مقاضاة بعض هذه الوسائل الإعلامية على نحو صارم. وفي هذا السياق، أُعلن مؤخرًا عن توجه الحكومة إلى فرض عقوبات على صحيفة “هآرتس” العبرية، بسبب تغطيتها للحرب و”نشر الدعاية الانهزامية والكاذبة والتحريض ضد الدولة أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة”.
هذا القرار جاء بناءً على اقتراح صادر عن مكتب وزير الاتصالات في حكومة العدو شلومو قارعي، والذي طلب وقف تمويل مؤسسة صحيفة هآرتس، بما في ذلك وقف الإعلانات ورسوم الاشتراك لجميع مستخدمي الدولة، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي، والشرطة، وجهاز الأمن العام الشاباك، والوزارات، وأي شركة حكومية، لأن هذه الصحيفة – وفقًا لادعاءاته- هي “بمثابة بوق لأعداء “إسرائيل””.
معركة “دحض الأكاذيب” الدائرة بين حكومة الاحتلال ووسائل الإعلام فيه، لا تنفي أبدًا أن هذين الطرفين هما في نهاية الأمر شريكان في الحرب الوحشية البربرية التي يشنها الكيان الغاصب على قطاع غزة، والإعلام هنا هو من جهة أولى، الشاهد الأول على الإجرام اللامحدود لهذا الكيان بحق أطفال غزة وأهلها ودمارها الشامل، ومن جهة ثانية فهو شريك في حملات التضليل وإخفاء الحقائق الميدانية والضربات القاتلة التي يتلقاها جيش العدو وأحزابه السياسية على يد المقاومة الباسلة منذ بداية الحرب وعلى كل الجبهات.