محمد شمس الدين – الناشر |
التطورات الميدانية التي يشهدها قطاع غزة الفلسطيني تؤشر الى تصاعد العمليات العسكرية المؤلمة للمقاومة الفلسطينية ضد جيش الإحتلال الإسرائيلي في ما أسماه هذا الأخير المرحلة الثانية من الحرب التي يشنها على حركة حماس وفصائل المقاومة والسكان المدنيين ممعنًا في القتل الوحشي والتشريد القسري، من دون أن يلوح في الأفق أية حلول ممكنة لوقف إطلاق النار تمهيدًا لسلوك مسارات التفاوض حول الأسرى من الجانبين وسط إصرار إسرائيلي على بلوغ السقف العالي للأهداف المتمثلة بالقضاء على المقاومة المسلحة في القطاع المحاصر.
المستوى الذي بلغه الإجرام الإسرائيلي في الحرب متجاوزًا كل القوانين الدولية التي ترعى النزاعات المسلحة يرسم الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة أهدافها، خصوصًا وأن الأعمال الشنيعة التي يرتكبها الإسرائيليون في غزة منذ نحو شهرين تحظى بدعم دولي علني لا سيما من أميركا وكبريات الدول الأوروبية تحت مسمى “محكافحة الإرهاب” الذي بات الشماعة التي يعلق عليها الغرب موبقاته تجاه شعوب المنطقة لقمعها والسيطرة على مقدراتها.
يبدو أن الولايات المتحدة “الراعي الرسمي للحرب” قد اتخذت من الحرب خطوة “هجومية” استباقية أمام تعاظم قوة حركات المقاومة بالمنطقة وسط مشروع التطبيع الذي ترعاه هي أيضًا وذلك لحمايته من الانهيار أمام رفض معظم شعوب دول المنطقة له بخلفيات أيديولوجية أولًا، ولما ينطوي عليه من استحواذ على مقدرات هذه الشعوب وضرب مصالحها الحيوية اقتصاديًا وثقافيًا.
لكن هذه الخطوة التي تجاوزت حد المعقول لن تستطيع أميركا احتواءها بسبب مستوى القتل الذي لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال فيما بات فضيحة عالمية لا يمكن اخفاءها، غير أنها تجد نفسها مضطرة الى إكمال “مشروع القتل” الذي بدأته، لأن المأزق الذي دخلته هي و”إسرائيل” قد لا تستطيعان الخروج منه بسهولة بعد تسجيل خسائر كبيرة بصفوف الجنود الإسرائيليين عدا عن مئات الأسرى من رتب مختلفة الذين أسرتهم المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى، ما سيحدث أزمة مفصلية بمؤسسة الجيش الإسرائيلي قد تصل الى حدود انحلاله ما لم تستطع إسرائيل استرجاعهم وهي تسعى الى تنفيذ ذلك بالقوة، غير أنها تصطدم بمقاومة فعلية قادرة على ابطاء غزوها البري. وتضع “إسرائيل” هذا الأمر في أعلى سلم أولوياتها لما له من تأثيرات على بنية جيشها الذي من المفترض أنه العمود الفقري للدولة العبرية والأداة الحادة بمشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة.
الإصرار على القضاء على المقاومة المسلحة داخل فلسطين يرتبط مباشرة بقرار تصفية القضية الفلسطينية لمرة واحدة وأخيرة لإزالتها من أمام مسارات التطبيع وسحب ذرائع بعض الدول العربية المتحفظة على إقامة علاقات مع “إسرائيل” قبل ايجاد حلول للمسالة الفلسطينية. وهنا يبرز ما قاله دنيس روس أحد كبار الديبلوماسيين الأميركيين بمقالة نشرتها “نيويورك تايمز” في 27 من تشرين الأول الماضي، كشف فيها عن أن “أكثر من مسؤول عربي عبر له عن أهمية تدمير حماس في غزة مؤكدين له على أنه إذا خرجت منتصرة فإن ذلك سيكرس أيديولوجية الرفض التي تدعو لها وانهم يقولون ذلك بالحوارات الخاصة فمواقفهم العلنية مختلفة تمامًا”، كذلك السيناتور الأميركي جو ولش قد عبر في تغريدة له بنفس المضمون مسميًا بعض الدول العربية.
انتصار حماس في غزة سيكون له تداعياته الكبرى على النظام الرسمي العربي الذي لن يستطيع كبح جماح مفاعيله في شارعه كما بحرب 2006 بين “إسرائيل” وحزب الله اللبناني، فالكفاح المسلح من الداخل سيترك أثرًا بالغًا بالمسار الجديد الذي ستحدده نتائج الحرب في غزة وسيعزز من تنامي النزعة الأيديولوجية لدى المؤيدين للقضية الفلسطينة على امتداد العالم العربي.
الخيار الوحيد المتبقي أمام هذه الحرب هو الحسم العسكري بمعركة غير متكافئة بين جانبيها يعتمد أحدهما فيها على القتل والتدمير فيما الآخر يلجأ الى إرادة وحق يمتلكهما ويراهن عليهما في تحقيق انتصار سيغير وجه العالم إذا حصل.