حين يلوَّث المناخ بالدم والتطبيع

غارات تلو الغارات وقصف ينتهي فيتبعه آخر، والدمار مخيف، وبين الركام نساء ورّضع رفعوا أياديهم إلى ربهم وصعدوا إليه ليخبروه بكل شيء! فالشهداء آلاف، وتحت الأنقاض يستفرد العدو بالجثامين فيسرق حتى أعضاءهم، كما سرق أرضهم منذ نحو قرن، والدم الطاهر عاد عقب الهدنة ليطهر أرض الوطن من رجس الغزاة، وامتد الدم وامتد ليعري ملوكًا وأمراء ورؤساء عربانًا قبل أيام حيث اجتمع الأذناب رفقة حكام قوى استعمارية، تحت مظلة مؤتمر قمة المناخ بغية انقاذ “الإنسانية” بالتزامن مع ابادتها في غزة في ظل اشتداد وتيرة العدوان الصهيوني البربري والهمجي على القطاع.

وهنا دعونا نتحدث بلغة هؤلاء الذين افتتحوا مؤتمرهم والدم يسيل أمامهم في تلك المدينة، حيث المناخ ليس على ما يُرام فيها ويتأثر بتضاريس القصف والغارات والقنابل الفسفورية والمضيئة والتي يساهم بها ويدعمها دعاة “الإنسانية” ذاتهم الذين جلسوا لينقذوها. ومن المفارقات أيضًا أن المناخ في غزة لا يتأثر بالعرض الجغرافي والارتفاع فالرقعة التي حوت قمة تهوي بالمناخ في وحل الإجرام والمجازر والإبادة لا تتأثر بالعرض أصلًا كون الحضور بلا عرض أو شرف أما الارتفاع فكيف لمناخ يلمُّ هذا الكم من السقوط في الإمارات أن يرتفع؟!

عُقدت القمة وحضر ممثلو أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا وغيرهم من الدول الداعمة لمجازر وجرائم حرب العدو الصهيوني الذي حضر رئيسه في الوقت الذي كان يمطر فيه جيش كيانه الإرهابي غزة بالغارات والقنابل الفسفورية مستأنفًا إبادة القطاع. وهنا وقف حكام العربان لا لينسحبوا؛ بل ليصافحوا الإرهابي هيرتسوغ بعدما كانوا يدّعون تعاطفًا زائفًا مع غزة في الليلة السابقة وعلى رأسهم صاحب الصورة الأكثر تداولًا من مؤتمر المناخ ألا وهو أمير قطر، تميم بن حمد، الذي فضحت نظرات عينيه الهيام مع العدو وما كان مستورًا تحت الطاولة والعباءات، ليتصدر السلام الذي وصف بالدافئ بينهما منصات التواصل، السلام الذي أعاد للأذهان دور دولة الأمير في التآمر على أوطان عربية، ودس السم في العسل عبر ماكيناته الإعلامية لشيطنة قوى محور المقاومة فيها من فلسطين حتى سورية ولبنان إلى اليمن والعراق.

وبالعودة إلى الصورة المذكورة لا بد من التركيز على صمت مرتزقة الأمير هنا من شعراء وصحافيين وكتاب وسياسيين، رغم إدراكهم لعمالته، فالقاعدة الأميركية الكبرى على مقربة منهم، والتطبيع مع الصهيوني ليس أمرًا سريًا بالشكل الذي يجعلهم لا يبصرونه، لكنهم وللصدق يُعمون أنظارهم عن ذلك وكيف لا! فهم جزء من أدواته واعتادوا مذاق لقمة العيش مغمسة بالذل، كأولئك الذين يدافعون عن خليفة الاحتلال العثماني لأوطاننا العربية أردوغان ويبررون حتى تطبيعه مع الصهيوني والتبادل التجاري والاقتصادي مع كيانه المحتل، وأمثالهم أيضًا ممن يدافعون عمّن فجروا بالتطبيع كأمراء الإمارات والسعودية، وملوك البحرين، والأردن، وعُمان الخ.

أما الصفعة التي تلقاها الخونة والمدافعون عنهم في الساعات الأخيرة؛ فقد تمثلت في انسحاب الوفد الإيراني من مؤتمر مناخهم، بسبب مشاركة ممثلي العدو الصهيوني، إذ اعتبر وزير الطاقة الإيراني أن “الحضور المسيس والتحيز غير المبرر للكيان الصهيوني المزيف في مؤتمر التغير المناخي الذي يرتكز على تقييم أداء وتقدم المجتمع الدولي في مواجهة ظاهرة التغير المناخي، يتعارض وأهداف واستراتيجيات هذا المؤتمر”، وقرر مغادرة قاعة الاجتماع تعبيرًا عن احتجاجه ضد هذا الأمر، وفقًا لوكالة الأنباء الإيرانية.

وعن أسباب الصفعة فهي معروفة فالخونة الذين قصدتهم نعلم جيدًا كيف يستغلون أي واقعة مرتبطة بطهران لمحاربتها، فهؤلاء يسعون إلى تدميرها وتقديمها للسواد الأعظم من شعوبهم على أنها عدو بديل عن محور الشر الأميركي الصهيوني وحلفائهم، وهذا معروف ويمكن لمن يقرر التحرر من عباءة الاستعمار والمطبعين العودة إليه، فالأمور اليوم بيّنة أن إيران كما هي داعم أساسي لفصائل المقاومة في المنطقة وهي فعلًا قلب المحور النابض، على عكس من يتباكى على غزة ويتآمر على المقاومة ويصطف بجانب العدو، وهذا واضح وموثق ولا أتبلى على أحد.
والمضحك المبكي ما تداولته وسائل إعلام ساقطة قبل المؤتمر حول الرئيس السوري بشار الأسد حيث أخذوا يحللون ويتوقعون حضوره وهم ينوهون إلى إصدار محكمة فرنسية “مذكرة توقيف بحق الأسد بتهمة التواطؤ بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” تاركين في موادهم المسمومة سؤالًا حول ما إن كان حضور الرئيس الأسد سيحرج دولًا وخصيصًا الإمارات المستضيفة لمناخ الدم.

وفي الوقوف عند تلك النقطة لا أجد ما أقوله سوى أننا في عالم تجاوز منذ قرون ازدواجية المعايير لينتقل إلى مرحلة يخجل حتى العهر من وصفها، فتخيلوا معي أن حضور الرئيس السوري سيحرج وجود الغرب المتآمر عليه والإمارات الفاجرة، وهو الذي صمد وجيشه العربي أمام الحرب الكونية على بلاده التي شنها عليه “دعاة الإنسانية” ذاتهم وتورطت بها أيضًا دول عربية سواء بدعم مالي يقدر بالمليارات للجماعات الإرهابية كالخليج أو تلك التي فتحت حدودها لتصدير الدواعش لسورية بدعم غربي وأوروبي بغية تدميرها.

وبالعودة إلى مذكرة التوقيف التي أصدرتها محكمة فرنسية بحق الأسد، ألم يكن الأجدر أن تكون تلك المذكرة بحق سلطات تلك البلاد التي احتلت أراضينا العربية واقترفت أبشع المجازر بحقنا؟ والسؤال الأهم من الذي ارتكب جرائم حرب بسورية أليس هم ذاتهم أوروبا والغرب والعربان الذين تآمروا معهم؟ وبأي حق يتحدث هؤلاء عن جرائم الحرب وهم يدعمون إرهاب الاحتلال الصهيوني وعدوانه البربري على غزة، ومن ثم يجلسون في ذلك المؤتمر ويعلنون أنهم اجتمعوا بغية “منع انهيار الكوكب وحماية مصير البشرية”، في الوقت الذي تنهار فيه الأبنية على المدنيين بغزة، ومصير البشرية فيها لا يحميه سوى رب الشهداء الذين يصعدون إليه بالآلاف في ظل جرائم كفرت بمعانيها أمام هذه المجازر وحرب الإبادة التي يشنها الصهيوني الوضيع بدعم من جلّ أولئك المؤتمرين في الإمارات الشركاء في سفك دمائنا، فتبت أياديهم ومناخهم، وتبت إنسانيتهم الزائفة ومعاييرهم المُختلة.

اساسيطوفان الاقصىغزةفلسطينمؤتمر المناخ