بالله ما ذنب طفولتي!

أنا طفل غزّة، أنا صوت البرعم الذّي شقّ درب الحياة من تحت ركام الحقد والخذلان، أنا والطّوفان وليدان من رحِم العزّة، لا يوم للطّفولة وهي توأد تحت أطنان صواريخ الهمجيّة الصّهيوأمريكيّة، يومي أنا هو يوم البراءة، يوم تُحرَّر الأرض من أنجاسها وتُحرَر البلدان من أصنامها، يومي أنا هو يوم فلسطين الحيّة الّتي تستنقذ شتات العرب الغارق في وحول الجبن والخيانة، وتُعيد البوصلة لمن سلّموا لداعش رقابهم المتعطّشة لفتات مال السّلاطين أو المنحرفة مع رياح الجهل بالدِّين، أنا ورق الزيتون الأخضر الّذي سينبت في شتلات القدس وكلّ فلسطين، أنا طفل غزّة.


هنا كان الجدار الذّي نُقشت عليه رسمة حلمي الجميل، هنا كنت أركض خلف أمي مستعجلاً إيّاها لقبلةٍ قبل يومي المدرسيّ الطويل، هنا كُتبي وهنا لَعبي وهنا أرضي الّتي انشقّت لتحضنني من غدر الطّائرات المسعورة، وكي لا يُنسى نقشت على جسمي حروف إسمي وهوّيتي وإنّي لفلسطين أنتمي ولها فداء.


أتشاهدون كم رَوّعوا الطفولة الّتي ما أسعفها العمر كي تفتح عينيها على بصيصٍ من نور الحياة، فكانت على موعد الشهادة قبل الولادة. أوَتعلمون كيف أحرقوا بيتي وذكرياتي الجميلة تحت سقف أسرتي الّتي غادرتني أو غادرتها باكرًا، وأصبحت الآن شريدًا بلا مأوى، تلاحقني أيدي المتغطرسين لتخنقني خوفًا من أن أكبر وأرى تحقّق حلمي الأروع.
في مدارسهم ونظرياتهم يدّعون اسم الحقوق والحريّة، أينها تلك المدارس عن الحرب الّتي تشنّها طائرات وصواريخ ودبابات على جسدي الصّغير وروحي الورديّة، بيدي أقلامٌ بألوان فلسطين بلدي وأصلي، هل هذا كلّ ذنبي المزعوم!!؟ وهل هو ذنب!!؟


انظروا يا كلّ شعوب العالم كيف تُبنى نظريّات الديموقراطية؛ تحت أكوام الحجارة أبي وأمي وإخوتي، منهم من التحق بركب الشّهداء ومنهم من كان ينتظر الإغاثة وما من مغيث، هذا مثال. مشهدٌ آخر، طبيبٌ ارتقى شهيدًا داخل المشفى ليُدفن مع المرضى ويقول العدو قد سحقنا المقاتلين، وهل ذاك الطبيب كان يحمل شهادة طبٍّ أم قنبلة؟.

سأنتقل إلى مشهدٍ ثالث، برأيكم هل يقوى الخدّج على تحريك جفون العين دون الحاضنة؟ إذاً هل ذنبهم أنّهم حملة قضيّة حقّة، وهل يكفي لتبرير قتلهم بدمٍ بارد ودون أن تقوم قيامة دعاة السّلام وحفظ الحقوق والمنظّمات المحاربة للإرهاب؟. وتكثُر المشاهد، مرعبة غفلة المقتدرين القادرين على دفع المظلوميّة عن شعبي وأرضي، لا يرعبني الدّمار هنا فأنا حرٌّ أدافع عن حقّي، لكن ما يجب أن يرعبهم هو الخنوع الّذي ثبّط نفوسهم عن أدنى مواجهة ولو بحرفٍ من كلمة ينصر بها المظلوم ويدين الظّالم، لا عجب وهم العبيد والمأسورون بربقٍ من تبعيّةٍ عمياء.


سأضع كل هذا التقاعس تحت قدميّ لأمضي إلى حيث غزّة وأحدّثكم عن معنى العزّة هناك. في غزّتي تدور عقارب الوقت على نبض أطفالٍ يُستشهدون لأجل أن يحيا أطفال العالم على الكرامة وينعموا ببراءة الطفولة المودعة في أرواحهم الملائكيّة، أجسادهم الصغيرة عبرت منعطفات الدّنيا الّتي اغترّ بها القتلة، بسلام المطمئنّ بأنّ ما ينتظره أجمل بكثير، فغادروا وقد تركوا وراءهم قلمًا وقرطاسًا كتبوا فيه أحلامهم وآمالهم ورسوم الأولاد في ساحات القدس والمسجد يتلون آيات النّصر والفتح، لم ينسوا أن يرسموا ورودًا نبتت كذكرى لمن سبقوا واستُشهدوا، وغزّتي هي المدرسة الّتي ربّت هؤلاء الأبطال.


في غزّتي تُدرّس نظريّاتٌ عمليّة في الصّمود والثّبات على الحقّ وكيفيّة استعادته ولو كان السّلاح قلمًا أو كلمة أو حتّى طرفة عين ونظرةً ثاقبة.


غزّتي نهضت ونهض معها شرفاء العالم، ساندوها بكلّ عزمٍ وشجاعة، لم يبالوا لتهديدات الأميركيّ الجبان، وداسوا بنعالهم صورة الشّيطان الأكبر الّذي استسلم له كثيرٌ من رعاع، أصابوا ذُعراً قلوبَ أعداء البشر وصاغوا للبطولة سلسلةً جديدةً من ملاحم الإقدام، حيّرت عقول المتفلسفين تحت عناوين التأييد والمساندة لأصحاب الحقّ المهدور، وبات حقًا الإقتداء بنهجهم الثّابت المستقيم والعابر لحدود الجغرافيا والزّمان.


غزّتي صرخت بوجه الظّلم، وهبّ لدعمها جنود الرّب القدير، فكيف لا تنتصر وقد رفعت من تحت ركام المستحيل نداءها للسّماء، هيهات تلحقنا الذّلة والهوان.

اساسيطوفان الاقصىغزةفلسطين