“هدنة” غزة وما بعدها!

محمد شمس الدين – الناشر |

فرضت “الهدنة الإنسانية” نفسها على سير العمليات القتالية بين المقاومة الفلسطينية وقوات العدو الإسرائيلي في قطاع غزة في اليوم الثامن والأربعين على بدء “هجوم” عملية “طوفان الأقصى” البطولية التي نفذتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول- أكتوبر- الماضي.

تعددت العوامل التي فرضت تلك الهدنة وفي مقدمتها الصمود الأسطوري لمقاتلي المقاومة وقدرتهم على خوض المواجهة بكل مستوياتها والتي اعتمدت بالدرجة الأولى على شجاعتهم وتصميمهم على تنفيذ خطط وتكتيكات قتالية كانت قيادتهم قد وضعتها وحاكت فيها سيناريوهات عدة ظهرت خلال الحرب طيلة الفترة الماضية وحتى لحظة إعلان الهدنة المؤقتة بحسب وصف الطرفين المتقاتلين.

إضافة إلى العامل السابق، فقد استشعرت قيادة المقاومة حجم الضغط الذي تعرض له الشعب الفلسطيني في غزة والذي بلغ صبره وتحمله ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في تاريخنا الحديث، بفعل الهجمة الوحشية لقوات الجيش الإسرائيلي والتي تخطت لأول مرة كل التوقعات وأبرزت -لمن لم يكن يعرف في العالم- بشكل واضح الوجه الإجرامي للدولة العبرية وحقدها وبشاعتها وعدم إنسانيتها. صمود المقاومة العسكري وإلحاقها الأذى الكبير بقوات الجيش الإسرائيلي عديدًا وعدة، فرضا بما لا يدع مجالًا للشك حاجة هذا الجيش لاستراحة محارب بعدما فشل في تحقيق ما أعلن عنه من أهداف، إن لجهة تحرير أسراه لدى حماس أو لجهة ضرب قيادة المقاومة في غزة والقضاء على قدراتها أو حتى تحجيمها.

“الهدنة” القائمة والتي برز في يومها الثاني عراقيل، نتيجة الخروق الإسرائيلية لبنود الصفقة الى أبرمتها، تحسن حركة حماس إدارتها مستفيدة من تسجيل تلك الخروقات، وهي تبدي بذلك رباطة جأش كبيرة مدركة حاجة الحكومة الإسرائيلية لإكمال ما بدأته لجهة إخراج ما تبقى من الأسرى الإسرائيليين المدنيين والتي ليس لحركة حماس أي حاجة بهم.

تقسيم حماس عملية إخراج الأسرى المدنيين الإسرائيليين على دفعات، إنما يهدف لكسب الوقت لتحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية والتكيكية التي تخدم جولة ثانية من الحرب قد تكون أشد، وهو ما تشي به المعلومات المتوفرة حول انسداد أفق المفاوضات بشأن الأسرى العسكريين الإسرائيليين ومن بينهم عدد كبير من الضباط من ذوي الرتب العالية، مقابل “تبييض السجون” الإسرائيلية عبر إطلاق كل الأسرى الفلسطينيين وتقديم تعهدات بعدم إطلاق حملات اعتقالات واسعة مجددًا.

وفي سياق آخر لم يتضح حتى اللحظة لدى الدول الراعية لتلك المفاوضات الشكل الجديد المطروح لقطاع غزة في اليوم التالي على انتهاء الحرب. ما يصرح به معنيون أن قطر ومصر المعنيتين مباشرة بملف المفاوضات مع حماس من جهة والإدارة الأميركية من جهة أخرى لم تتوصلا بعد الى أي تصور من شأنه حل الأزمة على هذا الصعيد في ظل تمسك حركة حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة ليس فقط بمبدأ ممارسة السلطة في غزة بل باستقلالية ممارستها مع شرط أكيد يتمثل برفع الحصار كاملًا عن القطاع وعدم تقييده بأي مستوى من المستويات لا سيما في موضوع إعادة الإعمار بمعزل عن متعهد كلفته.

نُشر على حساب الكاتب بالتزامن

#طوفان_الاقصىاساسيحماسغزة