يتفق العالم اليوم على أن الحرب الوحشية الصهيونية على أهل غزة غيرت الكثير من المعادلات وكشفت العديد من الحقائق وغيرت نظرة الرأي العام العالمي نحو “مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان” التي أوهم الغرب ومعه أميركا شعوب العالم بها، بهذه الكذبة المغطاة بثوب التحضر المزعوم.
مجازر أطفال غزة كانت الدليل القاطع على أن ما ابتدعه الغرب من “يوم عالمي للطفل” ما هو إلا شعار وهمي كاذب عنصري، خلقه أصحاب نظريات “السلام” الذين كانوا هم أنفسهم وحوش الحرب، نادوا به لإنقاذ أطفال العالم ومنحهم حقوق الطفولة المقدسة، وحين وصل الأمر إلى أطفال غزة، نسفت الشعارات وتبخرت الحقوق.
يكشف التاريخ معاناة أطفال فلسطين عمومًا وغزة خصوصًا، ويروي قصصًا عن حياة لم تكتمل وأحلام طفولة ضاعت وأطفال كبروا قبل أن يكبروا، وهم كيان واحد بمعاناتهم وآلامهم، والمجرم واحد والشاهد أيضًا واحد، وقد كانوا دائمًا هدفًا لآلة القتل الوحشي الصهيوني في كل محطة من محطات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويذكر أن عدد الشهداء الأطفال دون سن الثامنة عشرة الذين ارتقوا خلال الفترة الممتدة ما بين 2014-2022 قد بلغ 864 شهيدًا، وهناك 170 طفلًا رهن الاعتقال داخل السجون الاسرائيلية.
اليوم تتحدث مجددًا لغة الأرقام في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني، وتكشف الإحصاءات الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، أنه منذ بدء الحرب الوحشية استشهد ما يقارب الـ 5600 طفل فلسطيني، بينما اصيب حوالي 9000 طفل، وهناك 1800 طفل هم في عداد المفقودين تحت أنقاض المنازل والمباني المنهارة. والجدير بالذكر أن هذا العدد من الشهداء الأطفال يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا في الصراعات المسلحة في 22 بلدًا حول العالم في أي عام منذ 2020 وضمنًا الحرب الروسية الأوكرانية.
خلف هذه الإبادة الإرهابية ثمة قصص وحكايات تفطر القلب، ثمة أطفال يكتبون وصاياهم وآخرون يخطّون أسماءهم على أجسادهم، بعضهم رأى الحياة من زاوية الطفولة النازفة الممزقة المفعمة ببراءة قلوبهم المقيّدة بإجرام عدوهم الغادر، وبعضهم الآخر لم تعطه الحياة فرصة حتى ليراها، لكن هؤلاء الملائكة كانوا خير إثبات على أن أنظمة العالم “المتحضر” هي عنصرية وكاذبة، أوهمت الطفولة بعزلها عن مفاهيم الحروب والقتل يومًا، وشاركت بإبادتها فيما بعد.
أحلام أطفال غزة لا تشبه أحلام أطفال العالم، إذ لا مجال للأطفال في هذه البقعة الجغرافية المعزولة عن الكون بأن يحلموا كالباقين، حقوقهم التي شرعتها الإنسانية تحت مبدأ العدالة والمساواة، هي بالفعل أحلامهم، والحديث هنا عن أبسط الحقوق، عن المأكل والمشرب والطبابة والتعليم.
حاول العالم الغربي ومعه الولايات المتحدة الأميركية أن يغطوا إجرامهم بحق أطفال غزة على مدى عقود من الزمن، أقاموا مراكز للمؤسسات الدولية والمنظمات المهتمة بحقوق الأطفال في القطاع، إلا أن الهمجية الصهيونية أكدت في كل مرة استهدفت فيها غزة، أن هذه المؤسسات خاضعة في الحقيقة لسلطة الغرب وأميركا، وأن لا كيان لها في قاموس الاستثناء لدى الاحتلال المجرم، وكل التصريحات والتنديدات الصادرة عن القيمين عليها، ضرب بها الصهيوني عرض الحائط ولم يأخذها حتى بالحسبان.
أمر المنظمات الدولية هذه مسحوب أيضًا على بعض الدول العربية، التي في معظمها لم تتخط عتبة الإدانة إبّان العدوان الحالي على غزة وأطفالها، لكنها في المقابل أخذت على عاتقها مهمة التكفل بـ“معالجة أطفال الحرب في غزة”، وهذه الدول هي نفسها التي عجزت ولا زالت عن إدخال كوب ماء إلى القطاع المحاصر منذ بدء الحرب، خوفًا من الكيان الغاصب ونزولًا عند أوامر الشيطان الأكبر أميركا.
لم يعط أطفال غزة العالم بأكمله دروسًا في المقاومة والصمود والصبر فحسب، بل أثبتوا لكل شعوب هذا العالم أننا نعيش في ظل أبشع حقبة زمنية عرفها التاريخ، أساسها ومبادئها الكذب والعنصرية والظلم والعبودية، إلا أن التاريخ لن يقف هنا، وهذا القهر والألم والصبر سينبت نصًرا وعزًا خالدًا مدى الدهر معمّدًا بدماء أطفال غزة ومباركًا بأرواحهم التي ازدحمت في سمائها.