الزمان: صباح يوم الخميس الثلاثين من تشرين الثاني العام 2023
المكان: قطاع غزة – فلسطين
في صبيحة ذاك اليوم وضعت تلك الحرب العدوانية على قطاع غزَّة أوزارها وتراجع العدو الصهيوني منكفئًا خارج مدن القطاع ومخيماته إلى تخوم مستوطنات الغلاف خلف الجدران والأسلاك الشائكة منهزِمًا يجرُّ أذيال الخيبة فشلًا في تحقيق أيٍّ من أهدافه التي رسمها في أول أيام حربه المجنونة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، تلك الأهداف التي بدت منذ إعلان الحرب أهدافًا هزيلة وواهية تقزَّمت وصغُرَتْ يومًا بعد يوم أمام الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في القطاع.
ارتكبت المجازر الدامية ودمّرت الأبنية فوق رؤوس ساكنيها وسحقت الحارات والشوارع. أطلالٌ من الرُّكام تراها أينما توجهت في أرجاء مدن القطاع ومخيماته في جباليا والشاطئ والنصيرات وبيت لاهيا ودير البلح والبريج والمغازي ورفح وخانيونس، وشوارع صلاح الدين والفلوجة والبحر والعودة والجلاء وأحياء النّصر والرمال والسودانية والفرقان وأحياء الزيتون والشجاعية والساحات والباحات المحيطة بالمستشفيات الإندونيسي والرنتيسي ومجمع الشِّفاء الطبّي التي طالتها أيدي الإجرام والقصف وتهدَّمت على اثرها أجزاء منها بفعل همجية العدو ونازيته.
أمام هذا الواقع المؤلم والحزين الناتج عن هذه الدموية في الحرب تخيَّلوا معي ذاك المشهد المهيب، مشهد خروج جموع المقاومين من تحصيناتهم ونقاط تموضعهم ومن بين الأحياء المدمَّرة وأبنيتها المسحوقة مستبشرين مهللين مكبِّرين بكامل أسلحتهم وعتادهم يرفعون رايات فلسطين وشارات النَّصر. ماذا لو خرجوا زرافاتٍ ووحدانًا وساروا في شوارع المخيمات ومدن القطاع وكلٌّ منهم يتأبَّط بندقيته وقاذفه، يمشي بينهم ومعهم محمد الضَّيف ويحيى السِّنوار وأبو عبيدة تلحقهم قيادات الألوية والميدان وتحيطُ بهم بِحنوّ وحُب أرواح المقتولين ظُلمًا من الأهل والأحبَّة في المعمداني ومدارس الفاخورة وتل الزعتر في جباليا وعلى الطرقات وفي العديد من الأحياء والحارات، ترفرف فوق رؤوسهم فرِحةً ضاحكةً أسرابُ عصافير الجنَّة من الأطفال الشهداء، تعلو وجوه الجميع الابتسامات المختزِنة ألمًا وحزنًا تعكس صورة بهيَّة للشجاعة والصمود والانتصار والتحدِّي للعدو وجبروته. ستكون صورةً جميلة تُزيِّنُ ذاكرتنا مدى العُمر، صورةٌ ملؤها العزَّة والهيبة والافتخار تُعبِّرُ عن خيبة ذاك العدو المتغطرِس والفاشي وعن حقيقة فشله في القضاء على المقاومة وروحها وشعبها.
في المقلب الآخر سترى وجوهًا سوداء كالِحة، وجه ذاك الخرف في البيت الأبيض وإدارته المتصهينة وأتباعه من الأوروبيين الشركاء في دماء الفلسطينيين وقتلهم وحصارهم وتجويعهم ومعاناتهم وآلامهم، وجه نتانياهو القبيح وعصابته البغيضة المجرمة من وزراء عنصريين حاقدين وعسكريين جزَّارين ودمويين، ومعهم أنظمة الخيانة والاستسلام والتطبيع والعمالة من دول الرجعية العربية الخانعة، ستراهم جميعًا يمشون مطأطئي الرؤوس ودامعي الأعين، مفتضحين بخزيهم وعارهم يلوون برقابهم حسرةً يمنةً ويسرة، وجوههم يومها تعلوها غبرة وجباههم منكسِرة عليها علائم الهزيمة المُرَّة.
ساعتئذٍ أين جبروتكم وآلة حربكم وأين دباباتكم وطائراتكم وأساطيلكم؟ أين طغيانكم وعتوِّكم وأين ظلمكم وبغيكم؟ ستهزمكم تلك الصورة كما هزمكم أصحابها في ميدان السابع من تشرين الأول حين فاض معهم كُلّ الأحرار في العالم كالطوفان الجارف على طريق القدس وفلسطين.
وبالمناسبة مقاومو اليوم هم أبناء شهداء العدوان على القطاع ومدنه ومخيماته في عملية “الرصاص المصبوب – معركة الفرقان” العام 2008 وأبناء شهداء عملية “عمود السَّحاب – حجارة السجِّيل” العام 2012 ولاحقًا عمليات “الجرف الصامد – العصف المأكول” العام 2014 و”صيحة الفجر” 2019 و”حارس الأسوار – سيف القدس” العام 2021، وإنَّ استمراركم في الظُّلم والحصار والقتل والإجرام وارتكاب المجازر والعتوِّ والاستعلاء سيجعلكم في المعركة القادمة تواجهون أبناء شهداء عملية “طوفان الأقصى”، أبناء الّذين كسروا شوكتكم وهزّوا كيانكم وأسقطوا أسطورتكم الكاذبة ومرَّغوا في الوحل هيبتكم. ستواجهون أبناء المجازر الحاقدة والظالمة وعمليات القتل الجماعي التي بها قمتم والأرواح البريئة التي أزهقتم، هي صيرورة التاريخ وصناعته وحقيقته في نشوء الأحداث واستمراريتها تتعاقب فيها الأجيال حاملةً الراية، تنقلها للآتينَ من بعدها وكلٌّ منهم سيكتب فصلهُ الخاص به على ألواح النَّصر والتحرير، وحينها ستكون صدمةً وخيبة تضاف إلى سجلِّ الخيبات المتلاحقة النازلة كالصواعق المُحرِقة على رؤوس أولئك الأغبياء في الكيان الغاصب.
ماذا لو انتصرت غزَّة؟ سؤالٌ افتراضي فهي إن شاء الله حتمًا منتصرة، يرونه بعيدًا ونراهُ قريبًا والسلام.