الاقتصاد العالمي المتصدّع رهين “حرب غزة”

بات من الواضح أن الحرب التي شنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر أعادت القلق إلى ربوع الاقتصاد العالمي ككل والاقتصاد الأميركي على وجه الخصوص، وذلك بعدما توهّمت الدول الأوروبية وأميركا أن التباطؤ الاقتصادي العالمي قد انتهى تقريبًا مع بداية العام، وذلك بعد انخفاض أسعار الطاقة وبالتالي هبوط معدلات التضخم في معظم الدول الصناعية.

مؤشرات هذا “القلق” بدأت بالظهور فعليًا، إذ تسببت الحرب في رفع أسعار النفط عشرين دولارا للبرميل حتى الآن، بينما ارتفعت أسعار الغاز الأوروبية بحوالي الثلث، رغم أن الارتفاع بدأ قبل نشوب الأزمة، بسبب التوقعات بشتاء بارد، وقد حذر البنك الدولي من وصول سعر برميل النفط إلى 150$ إذا تفاقم الصراع إقليميًا.

وفي هذا السياق، إن المقلق فعلًا بالنسبة لهذه الدول ليس ارتفاع أسعار الطاقة فحسب، بل شحّتها المحتملة، ويعود ذلك إلى أن احتمال تفاقم الأزمة وتضرر الإنتاج أو إقفال ممرات وصوله من دول الخليج وشمال أفريقيا إلى أوروبا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي انخفاض العرض من النفط والغاز.

ارتفاع أسعار الطاقة سيكون له بالطبع تداعيات كارثية على الدول الأوروبية، لأنه سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع معدلات التضخم مجددًا، بعد أن شهدت هبوطًا في الآونة الأخيرة. ووفقًا للدائرة الإحصائية في الاتحاد الأوروبي، (يوروستات)، فإن معدل التضخم انخفض في منطقة اليورو من 8.6% عام 2022، إلى 5.5% هذا العام، أما في الاتحاد الأوروبي فقد انخفض من 9.6% عام 2022، إلى 6.4% في يونيو 2023.

والجدير بالذكر، أن ارتفاع أسعار الطاقة مقرون أيضًا وقبل كل هذا بالحرب الأوكرانية الروسية والتي –مع الحرب الصهيونية على غزة- شكّلت في نفس الوقت صدمة مزدوجة للاقتصادين الأوروبي والأميركي على وجه الخصوص.

وبحسب خبراء اقتصاديين فإن الزيادة في الأسعار لا تؤدي فقط إلى انخفاض القدرة الشرائية للأسر والشركات العالمية، بل ستسبب ارتفاعًا في تكلفة إنتاج الغذاء، وبالتالي ازديادًا في مستوى انعدام الأمن الغذائي العالمي المرتفع أساسا لا سيما في الدول النامية.

من ناحية أخرى، إن الدول تعاني بالفعل من مستويات مرتفعة بشكل غير عادي من الديون وزيادة في تكاليف الاقتراض مع استمرار رفع الفائدة لأعلى مستويات لها منذ 20 سنة تقريبا في الولايات المتحدة، كما أن استثمارات القطاع الخاص تشهد تعثرات مستمرة فضلًا عن التباطؤ الكبير في حركة التجارة العالمية مما يعني أن الحرب وتكاليفها تأتي في ظروف جدًا صعبة.

أما فيما يتعلق بتداعيات هذه الحرب الصهيو- أميركية الوحشية على الاقتصاد الأميركي تحديدًا، فيجد الخبراء الاقتصاديون أن هذه الحرب قد زادت بالطبع الضغط على أميركا من ناحية حجم المساعدات الممنوحة للكيان الصهيوني، إذ بينما بلغ حجم المساعدات العسكرية لأوكرانيا في حربها ضد روسيا 75 مليار دولار، وصل حجم المساعدات المقدمة للكيان المحتل إلى 260 مليار دولار مما يعني أن تمويل الحرب الصهيونية على غزة من قبل أميركا، كان على حساب المساعدات الممنوحة لأوكرانيا.

من ناحية ثانية، يتوقع خبراء أيضًا سقوط الاقتصاد الأميركي في حالة ركود كبيرة، وذلك بسبب ارتفاع مستويات الفائدة بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة، مقارنة مع الازدياد الكبير في مستوى التضخم، والأخير يرتبط ارتباطا وثيقًا بزيادة المساعدات العسكرية الممنوحة والتي أرهقت بالفعل المانحين من جهة، وإلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا من جهة أخرى.

وعلى مقلب آخر، يرى متابعون في الشأن الاقتصادي العالمي، أن فشل السياسة الأميركية في التعامل مع الظروف السياسية والاقتصادية العالمية، يشكل ورقة رابحة للصين وفرصة ذهبية لها، حيث ستصبح أقوى اقتصاديًا وسياسيًا لأنها تدير العمليات على هذين المستويين بطريقة أذكى على الصعيد العالمي، وهذا ما تخشاه فعلًا الولايات المتحدة في إطار صراعها الدائر مع الصين.

يبدو أن الاقتصاد العالمي “الهش” ليس قادرًا حقيقةً على تحمل تبعات امتداد هذه الحرب الوحشية وتوسع الصراع، لا سيما وأن حسابات الدول الغربية وأميركا أتت مغايرة لما أنتجه الواقع، والأمر بات واضحًا من خلال التقلّب الذي شهدناه في مواقف هذه الدول إزاء الحرب البربرية التي شنها الكيان المجرم، على أمل أن تتحرك ضمائرها وإنسانيتها في سبيل وقف هذه الحرب الإبادية وعودة الاستقرار لشعوب المنطقة.

اساسيطوفان الاقصىغزة