اعذرنا يا سيد المقاومة

وسط انتصارات المقاومة ووحدة ساحاتها وبأس محورها والفداء والتضحية، والدم الطاهر الذي يمتد دون توقف أو هدنة مع السماء ويتضاعف في كل وهلة ليبسط نفوذه على كامل التراب الوطني الفلسطيني ويُكمل بطهارته نقش خارطتها كما أراد الله لها أن تكون من بحرها إلى نهرها، نجدُ ثلة ما زالت تستغل اسم الوطن لتُغطي عهرها وعمالتها مع عدونا.

تلك الثلة التي تفترشُ أنظمةً وإعلامًا في الوطن العربي وتتجرد من ذاتها وهي تبيع كل ما زاد الدفع فتخلع ما يسترُها لتتعرى أكثر وأكثر حتى فقدت معنى الشرف، وربما الثلة التي أقصدها أكبر من المعنى الحرفي لتلك المفردة وأصغر من معناها على أرض الواقع، لكن مهما بلغ عددها وحجم تمويلها ولعنة ارتزاقها؛ فوالله لم ولن تُساوي شسع نعل مقاوم وإن اجتمعت.

وهؤلاء الذين أقصدهم ينتشرون كمرض خبيث ألعن من السرطان في جسم أوطاننا العربية ابتداءً من أنظمة وظيفية عميلة وضعها الاستعمار لخدمة كيان العدو الصهيوني ومرورًا بحكامها ورؤسائها وأمرائها، وانتهاءً بناشطي السفارات والتمويل الأجنبي فيها، وماكيناتها الإعلامية القذرة من الأردن ومصر والسودان والمغرب ولبنان والبحرين والإمارات وعُمان وقطر …الخ، ممن تعلمون دناءتهم، وعداءهم للمقاومة وإن أظهروا وقوفهم مع أحد فصائلها، إلاّ ما رحم ربي من الإعلام الشريف الذي هو جزء من محور المقاومة أو المؤيد له، وللأسف لا تتجاوز تلك المؤسسات عدد أصابع اليد.

هذا ما يُفسر سبب تصدر رؤساء وأمراء وملوك أنظمة تلك المؤسسات للمشهد الإعلامي، ووصفهم بـ”الأبطال” و”الفاتحين” وبلدانهم مستباحة بالقواعد الأميركية وغرف التجسس وسفارات العدو الصهيوني علنًا وسرًا؛ تزامنًا مع شيطنتهم للمقاومة وإن أظهروا العكس كما أسلفت الذكر وكتبوا شعرًا بأحد فصائلها فالأمور بيّنة ولا جدال فيها من يقف ضد إحدى قوى محور المقاومة هو مع محور الشر “الأميركي الصهيوني وحلفائه”، والسقوط لا يبرر “بوجهة النظر الأخرى” من باب الحيادية؛ التي لا يأتي تعريف لها هنا سوى الخيانة.

ولعل أبرز حملات التشويه والشيطنة في الأيام الأخيرة ما تبع خطابَي سماحة السيد حسن نصر الله الأخيرَين، الخطاب الأول الذي احتشدت الجماهير للإصغاء إليه وكان ينتظره العالم بتأهب والعدو بقلق وخوف، فاسمه وحده كفيل بهز كيان العدو وعروش المطبعين، فما بالكم حين يطلّ علينا بخطاب بالتزامن مع إمطاره العدو بوابل من الصواريخ والقذائف؟

وإن عدنا إلى حملات التشويه سنجد تلك المؤسسات الإعلامية الساقطة وقفت جنبًا إلى جنبٍ مع العدو الصهيوني، في عداء السيد حسن وحزب الله ومهاجمتهما، عبر أبواق مذيعيها وصحافييها الخسيسة وأقلام كتابها الخبيثة، وهم يحللون خطاب السيد ونبرة صوته وملامح وجهه، ويخرجون باستنتاجات لا صحة لها في الوجود، ويسوقونها ويطلبون منّا بكل قحة أن نُصدقها دون أدنى احترام لحرمة دماء أكثر من 70 شهيدًا ارتقوا من حزب الله حين هبوا ليذيقوا العدو العلقم ويوقعوا فيه القتلى إسنادًا لغزة ونصرة لمقاومتها ولآلاف الشهداء الذين صعدوا إلى الله منذ انتصار السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في أعقاب معركة طوفان الأقصى.

ولا أدري كيف لإعلامي وصحفي وكاتب وناشط من سلالة المرتزقة ذاتها أن تسول له نفسه بالتنظير على مقاومين في حضرة الدم العفيف، تزامنًا مع ذرفهم دموعًا وكلمات مأجورة على حساب الصامدين الصابرين في غزة العزة متاجرين بالجرح النازف والألم والدم الذي أنهك أرواحنا، لكسب تأييد الرأي العام وثقته حين يهاجمون السيد ورجال الله، وقوى المحور، لخدمة أجندات مشبوهة لا تصب إلاّ في صالح الإمبريالية والصهيونية.

وكي لا أقع في شرك أعمال هؤلاء الثلة سالفة الذكر، لن أنقل ما نشروه بسفالة من مقالات ومقاطع مرئية بثها إعلام العدو الصهيوني وهي تهاجم السيد نصر الله، ولن أعيد ما نبحت به أبواقهم من سم ونشاز، لكنني سأشير إلى جواب لسؤال يكرر دومًا لماذا كل هذه المؤسسات تعادي جُلّ محور المقاومة، وحزب الله والسيد؟ وأين الإعلام المؤيد للمحور؟ والجواب هنا في غاية البساطة، ولقد لفتت إليه في مطلع المقال ألاّ وهو أن وسائل إعلام المقاومة والمؤيدة لها لا تتجاوز عدد أصابع اليد. وسأنوه أيضًا إلى نقطة هامة تكمن في غرفها التحريرية حيث إذا جلست بين أروقتها ونظرت إلى سقف غرفتها لا تجده يُمطر الدولارات، والدراهم، والريالات، والشيكل، والدنانير، لذلك لا يُمكن مقارنة عدد كوادرهم البشرية وامكانياتهم المادية والفنية والتقنية، وحجم انتشارهم بإعلام الجواسيس والمرتزقة المذكور أعلاه، وعليه فلتعذرنا يا سيد نصر الله فالإعلام المضاد مخيف، والمرتزقة يملؤون هذا الوطن العربي الممتد، ويموتون بغيظهم بمجرد ذكر اسمك، فيقبضون ثمن مهاجمتك والمحور، فلتعذرنا لأنهم كثرٌ لكن والله لن يمروا، ولن يؤثروا على أهل المقاومة والمؤمنين بها.

إلى ذلك لا قول هنا ولا رد؛ بعد الذي تفضل به السيد نصر الله منذ أيام حين قال إن “سياستنا في المعركة الحالية؛ الميدان هو الذي يفعل، الميدان هو الذي يتكلم، نأتي نحن بعد ذلك لنعبر عن فعل الميدان، لنشرح فعل الميدان، ولذلك يجب أن تبقى العيون على الميدان، وليس على الكلمات التي تصدر منّا، من حيث المجموع إذا أردنا أن نجمع هذا المشهد العام الذي بدأناه من غزة إلى الضفة واليمن والعراق إلى إيران وسوريا إلى لبنان، نعود لنقول نحن في معركة المقاومة في معركة الصمود، معركة الصبر، معركة تراكم الإنجازات، معركة جمع الإنجازات والنقاط، معركة الوقت، دائمًا الوقت هو حاجة لحركات المقاومة، وشعوب المقاومة، الوقت هو الذي يساعد على إلحاق الهزيمة بالغزاة والطغاة والعتاة، وهكذا كان الأمر طوال التاريخ”.

ونهاية، وبعد طلب الغفران من الله وشهدائه على عجزنا وتقصيرنا أمام دمهم العفيف الذي يُطهر أرضنا وعرضنا نطلب الغفران من رجال الله الأحياء في الميدان المقاومين الأبرار الذين يردون كيد الأعادي ويسطرون ملاحم بطولات وانتصارات وهم يدحرون بني صهيون ويصيبون قطعانه ويردونهم قتلى كما الجيفة، برميات مباركة يسددون بها ثأرنا. ويا لقدسية هؤلاء الأبطال، وفضلهم علينا، فيا رب العرش الكريم سدد خُطاهم وانصرهم، وخذ من أعمارنا وهبهم ما تبقى منها، ودعنا نفديهم بأرواحنا فهي لا تبتغي سواهم.

اساسيطوفان الاقصىغزةفلسطين