عقود من الزمن، حاضر خلالها الغرب وحليفته “العظمى” الولايات المتحدة الأميركية بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وأقاموا في سبيل ترجمة تلك “الشعارات الوهمية” منظمات دولية عالمية وإقليمية، أتى في مقدمتها مجلس الأمن الدولي التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة.
أهداف مجلس الأمن الدولي حُدّدت منذ تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 بالحفاظ على السلم الدولي وحل النزاعات، وفرض احترام القانون الدولي ولو عبر اتخاذ إجراءات عسكرية، وهو يعتبر وفقًا للصلاحيات التي يتمتع بها، الذراع الأقوى للأمم المتحدة، والأداة الأكثر فعالية وتأثيرًا في فرض هيمنة القوى العظمى في العالم على دول العالم الثالث.
شعارات مجلس الأمن الدولي والدول الأعضاء فيه تعكس ظاهريًا نوايا هذه الدول، والتي تبدو – وفقًا للأهداف المحددة – بأنها نوايا حسنة بريئة، قادرة على تحقيق الأمن والعدالة في كل أرجاء الأرض، وعلى حل النزاعات ونشر السلام بين الدول، إلا أن التاريخ والحاضر يشهدان بما لا تحمله هذه الشعارات، بل هو يجسد نقيضها إلى حد كبيرٍ جدًا.
إن أردت أن تعرف أيها القارئ الغاية الفعلية من وراء وجود مجلس الأمن الدولي، ينبغي لك القراءة في حالات وعينات لجأت فيها دول العالم الثالث إليه لرفع الظلم والاحتلال عنها، وهي بالمناسبة عديدة وفي فترات زمنية متفاوتة، إلا أنه رغم اختلاف طبيعة الحالات والدول، إلا أن النتيجة واحدة، وهي أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن وفي مقدمتهم أميركا الشيطان الأكبر، هي واحدة من أبرز الدول المعتدية والإجرامية على صعيد العالم بأسره، فهل يحاكم القاضي نفسه؟
بالحديث عن الحوادث التاريخية والحاضرة التي لجأت فيها الدول إلى مجلس الأمن الدولي بصفته الراعي الرسمي “لتحقيق السلام وحل النزاعات”، فإن غزة الجريحة المحاصرة الغارقة في قلب الإبادة والموت هي أكبر وأصدق شاهد على كذب ونفاق شعارات مجلس الأمن، لا سيما بعد قيام بعض الأعضاء الدائمين باستخدام حق النقض “الفيتو” لإيقاف مشروع قرار وقف إطلاق النار والإبادة الجماعية التي تمارسها “إسرائيل” – الشر المطلق – في قطاع غزة اليوم.
على صعيد فلسطين وغزة، فإنها لم تكن المرة الأولى التي تعطي فيها الولايات المتحدة الصلاحية المطلقة للكيان الوحشي الصهيوني بممارسة إجرامه بحق أطفال ونساء في فلسطين، لأن هذا الاحتلال المتغطرس لم يكن أساسًا بحاجة لمباركة أميركية، وهو في الأصل غير مبال بقرارات مجلس الأمن الدولي، بل كالعادة، ضرب بها عرض الحائط، وما زال يقيم انتصاراته الوهمية الملطخة بالدم، فوق أجساد وأشلاء أطفال غزة.
تحملنا الذاكرة من غزة وفلسطين إلى لبنان، حيث العدو المجرم المعتدي واحد، والقاضي المعتمد واحد، والنتيجة واحدة. حروب عديدة خاضها لبنان مع الكيان المحتل، دمر خلالها العدو البشر والحجر، على مدى عقود من الزمن، ولا زال رد مجلس الأمن الدولي على هذه الحروب والتعديات يختصر بالـ “إدانة” ولا شيء سوى ذلك، وإن كان مجيء قوات الأمم المتحدة إلى الجنوب اللبناني هو بمثابة خطوة مطبقة من قبل مجلس الأمن ” لحفظ السلام”، فإن وجودها وعدمه هو واحد، بالنسبة لانعدام احترام الكيان الصهيوني للقوانين الدولية ومعايير حفظ السلام من جهة، وبالتالي لاستتباب الأمن والسلام في جنوب لبنان من جهة أخرى، وبالطبع فإن هذه التعديات لا زالت مستمرة إلى يومنا هذا، ولا زالت الردود مختصرة وواقعة ضمن حدود “الإدانة” لا أكثر.
الأمر مسحوب أيضًا على العراق الذي استنزف بكل موارده ومكوناته من قبل الشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأميركية ومعها بعض دول الغرب لا سيما بريطانيا، وذلك تحت غطاء قرارات “مجلس الأمن الدولي” وبذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق. وقد قارب عدد الضحايا العراقيين المليوني شهيد خلال فترة الغزو الأميركي وفقًا لبعض الدراسات.
هذه الشواهد التاريخية من ماضي لبنان والعراق وما تعيشه غزة الصامدة المقاومة اليوم من وحشية لم يشهد لها التاريخ من مثيل، هي أمثلة حية جدًا عن الكذبة العظيمة التي تسمى مجلس الأمن الدولي، لأن هذه المؤسسة وجدت أساسًا لإدارة مصالح الدول الديمقراطية المظهر الديكتاتورية الفعل، حتى لو كان ذلك على حساب إبادة شعوب برمتها، لتبقى بذلك المقاومة بكل أشكالها السبيل الوحيد لتحقيق استقلال الأمم وأمنها وسلامها.