قال يومًا “نابليون بونابرت”: “مثَلُ الخائن لوطنِه كمثلِ السَّارق من مال أبيه ليُطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللصوص تشكره..” وفي هذا القول قصة وعبرة حين استعصت النمسا على جيوش الإمبراطور الفرنسي وشعر “بونابرت” في حينها بالانكسار والإحباط بسبب سلسلة من الهزائم حتى استطاعت استخباراته تجنيد أحد الجواسيس الذي كشف لهم ثغرة في حركة الجيش النمساوي تمَّ استغلالها والقضاء عليهم واحتلال النمسا، وكوفئ الجاسوس بطريقة مهينة ومذلَّة لدرجة أنَّ “نابليون بونابرت” رفض أن يصافحه بسبب خيانته لوطنه وكانت مقولته الشهيرة أعلاه.
كثرٌ في وطني أمثال هذا الخائن الوضيع والرخيص ومنذ ما قبل نشوء هذا الكيان أعانوا المحتل والمستعمر على أبناء جلدتهم طمعًا بحفنة من المال تبدلت اسماؤها مع التاريخ من دراهم ودنانير وعثمليات وفرنكات وصولًا إلى الدولارات مضافًا إليها ألقابًا وتسميات أطلقت عليهم من بكاوات وباشوات ومشيخات وإمارات وزعماء ميليشيات تسلطوا بها على رقاب الفقراء والمساكين ومارسوا القهر والقتل والإجرام والتنكيل بهم تحت عناوين وشعارات شتّى طائفية ومذهبية ومناطقية حتى أوغلوا سكين التفرقة والانشقاق بين مكونات المجتمع اللبناني.
ولكن الأشد سوءًا بين هؤلاء العملاء هم من تعاملوا مع العدو الصهيوني وتلقوا منه السلاح والتدريب ونسَّقوا معه في كل اعتداءاته واجتياحاته وتجنَّدوا في ميليشياته العميلة إبّان الاعتداءات المتكرّرة وصولًا إلى الاجتياح الإسرائيلي العام 1978 – 1982، واستمروا في عمالتهم الدنيئة حتى تاريخ الاندحار الإسرائيلي عن جنوب لبنان في العام 2000، وقتها كان سلوك المقاومين تجاه هؤلاء المتعاملين غاية في الرقي والأخلاق والتسامح التي منبعها تربيتهم العقائدية والدينية السامية، لم يقتلوا أيًّا منهم أو قاموا بمحاسبته بل تم تسليمهم للقضاء اللبناني.
وفي المقابل نشهد هذه الأيام من العملاء الفارِّين إلى كيان الاحتلال مزيدًا من الإيغال في العمالة للعدو بل هم يعربون دائمًا عن استعدادهم للعودة مع أي اجتياح للبنان وهذا من الأحلام المستحيلة التحقيق كحلم إبليس بالجنّة، حيث أعلنوا مرارًا وتكرارًا نيتهم بالسيرِ في ركاب القوة المعادية المجتاحة ليكونوا لها عونًا وعينًا في مواجهة أهلهم وشعبهم، بل قاموا في الأيام الماضية بتجميع مساعدات وهدايا لجنود جيش العدو الذي يأتي إلى الشمال الفلسطيني ليعتدي على أهلهم وقراهم وبلداتهم في جنوب لبنان ولا ندري هل يتواجدُ البعضُ منهم في تلك المواقع الأمامية يعين العدو هناك في الرصد وتجميع المعلومات والاتصال والتواصل مع بعض العملاء المستترين في تلك المنطقة لتحديد حركة المقاومة وأماكن انتشارها، ولكن سيجدون بانتظارهم ومن معهم رجالًا أولي بأسٍ شديد متشوِّقين للمنازلة ودحر العدوان، وآمل من المقاومين وقتها حين إلقاء القبض على أحدٍ منهم في أية مواجهة قادمة أن يحاكموه ميدانيًا، وقصاص العميل المقبوض عليه في الميدان متلبِّساُ بالعمالة الإعدام رميًا بالرصاص.
وهناك من هم على شاكلتهم يتصدرون يوميًا وعلى مدار الساعة وسائل الإعلام وشاشات التلفزة من مسؤولين حزبيين أو مدّعو صحافة وإعلام أو كتبة صحف سوداء ومواقع إلكترونية إخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي، يطلون بوجوههم الوقحة والكالحة ويفرغون سموم صدورهم ويتقيؤون حقدهم على المقاومة وسيدها وأهلها دون خجلٍ أو حياء، ومستعدون وبكلِّ وقاحة أن يعينوه على أهلهم وشعبهم تارة بالتوهين والتشكيك والاستهزاء والاستخفاف بعمل المقاومة ودفاعها عن الوطن بل ويحرضون العدو على العدوان والاجتياح والتدمير والاحتلال، وتارةً أخرى يشكلون له بيادق وأعين وألسن يهاجمون بها ويضعِفون منعة المجتمع وتمسُّكه بالمقاومة ويشككون بجدواها ويمعنون الطعن في ظهرها، بل هم شركاء في قتل أهلنا وأطفالنا ومقاومينا وأيديهم ملطخة بدمائهم وآخرهم الأطفال الثلاثة الشهداء المظلومين بالأمس في عيناثا الجنوب.
جاء في الفصل الأول من قانون العقوبات اللبناني في الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي في “النبذة رقم واحد” وتحت عنوان الخيانة في المادة 273 من القانون والتي تقول: “كل لبناني حمل السلاح على لبنان في صفوف العدو عوقِب بالإعدام”، وتكمل المادة “أنَّ من أقدم في زمن الحرب على أعمال عدوان ضد لبنان عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة”، أمّا المادة 274 جاء فيها، “كل لبناني دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفعها إلى مباشرة العدوان على لبنان أو ليوفر لها الوسائل إلى ذلك عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وإذا أفضى فعله إلى نتيجة عوقب بالإعدام”.
وفي المادة 276، “يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة ﻛﻝ ﻟﺑﻧﺎﻧﻲ ﺃﻗﺩﻡ ﺑﺄﻱ ﻭﺳﻳﻠﺔ ﻛﺎﻧﺕ ﻗﺻﺩ ﺷﻝ ﺍﻟﺩﻓﺎﻉ ﺍﻟﻭﻁﻧﻲ”، وفي النبذة رقم خمسة من القانون وتحت عنوان”في النَّيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي” وفي المادة 295، “ﻣﻥ ﻗﺎﻡ ﻓﻲ ﻟﺑﻧﺎﻥ ﻓﻲ ﺯﻣﻥ ﺍﻟﺣﺭﺏ ﺃﻭ ﻋﻧﺩ ﺗﻭﻗﻊ ﻧﺷﻭﺑﻬﺎ ﺑﺩﻋﺎﻳﺔ ﺗﺭﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﺷﻌﻭﺭ القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالإعتقال المؤقت”، وتستكمل المادة 296 العقوبة نفسها لمن “نقل في لبنان في الأحوال عينِها أنباء يُعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمّة”.
هؤلاء جميعًا ممن ذكرناهم أعلاه في الفقرات الأولى من المقال تنطبق عليهم مواد قانون العقوبات اللبناني الواردة في الفقرات اللاحقة وهي واضحة وصريحة في تجريمهم ومعاقبتهم ويجب على الأجهزة الأمنية والقضائية ومن يعنيهم الأمر من وزارة الإعلام إلى المجلس الوطني للإعلام التحرك لإيقاع العقوبة المناسبة بحقهم وخاصة أن البلاد تعيش حالة حربٍ مع عدوٍّ غاشم وظالم ومجرم يتحين الفرصة للعدوان بل يعتدي يوميًا على السيادة قصفًا وقتلًا وتدميرًا وتهجيرًا وسرقةً لثراوتنا الوطنية دون حسيبٍ أو رقيب.
في العودة إلى أشهر الخيانات في التاريخ العربي وأوَّلها هي خيانة «أبو رغال» الذي عمل دليلًا لجيش “أبرهة ” حين جاء لهدم “الكعبة المشرَّفة”، ويُشار دائمًا إلى “أبي رغال” في كتب التاريخ باحتقارٍ شديد ومثالًا للغدر والخيانة، حيث لم تعرف العرب في تلك الأيام مثله خائنًا لقومه من أجل مصلحته الخاصة ، وكم من “أبي رغالٍ” يعيشون بيننا هذه الأيَّام.