كن واعيًا ولا تكن عين العدو

لم تعد أشكال الحروب واحدة بين الماضي والحاضر، ولم يعد عامل السلاح والبندقية العنصر الأكثر تأثيرًا في فصول المعارك كافة، لأن تأثير العالم الرقمي والكلمة فرض نفسه اليوم وبقوة في ساحات الحروب، مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي إلى مفاهيم خوض الصراعات، كأدوات فتّاكة في تحقيق النصر أو الهزيمة.

هذه الأدوات الفتاكة في عالم الصراع، أثبتت نفسها اليوم كأداة فائقة التأثير في ما نشهده حاليًّا من حرب الإبادة الإجرامية التي يشنها الكيان الصهيوني المتوحش منذ السابع من تشرين الأول / أوكتوبر بحق الشعب الفلسطيني لا سيما في قطاع غزة. ورغم أهمية هذا السلاح الفكري في تحقيق النصر المعنوي للشعوب إلا أنه فعليًا سلاح ذو حدين في حال أسيء استخدامه.

وسائل التواصل الاجتماعي هي اليوم جزء من هذه المعركة الكبرى وشكل من أشكالها، لها جنودها ومعطياتها وخططها وتأثيرها على مجريات الحرب ككل، وهي وإن بدت بالنسبة للبعض مجرد وجهات نظر متبادلة أو مطروحة، إلا أنها تؤثر بعمق حتى لو أتت بشكل فردي، على الرأي العام الصهيوني تحديدًا والدولي عمومًا.

وفي هذا السياق، لا بد من التحدث بشكل مفصل عن الدور المفصلي الذي يؤديه رواد مواقع التواصل الاجتماعي في هذا النوع من الأحداث المصيرية، إذ من ناحية تعتبر هذه الوسائل اليوم المصدر الأساس في نقل الخبر أو المعلومة أكثر من الاعتماد على وسائل الإعلام التقليدية، ومن ناحية أخرى تجعل تغطية الأحداث تتم بصورة أكثر سهولة وسرعة في ظل توافر التقنيات الحديثة.

واستكمالًا لما ذكر، تحولت هذه الصفحات إلى ساحات للتعبير، وكأن أصحابها خبراء ومحللون، فهذا يحكي عن تأثيرات وتداعيات الحرب على الدول ومستقبلها السياسي والاقتصادي، وآخر يحلل ما يحدث عسكريًا وسياسيًا وإستراتيجيًا، وكل هذا أحدث حالة من الزخم عكست قوة السوشيال ميديا وما وصلت إليه من سيطرة على حياة البشرية، والرأي العام للأمة.

وبالحديث عن معركة طوفان الأقصى، فإن الدور الباهر الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي هنا يظهر في نقل الوقائع كما هي وعلى أوسع نطاق ممكن على مستوى العالم، إن كان عبر نشر الإنجازات العظيمة التي حققتها المقاومة على مختلف الجبهات ضد العدو الصهيوني من جهة، وبإظهار وحشية العدو وإجرامه في القتل والدمار من جهة أخرى.

هذا التأثير العظيم لرواد مواقع التواصل الاجتماعي جعل العديد من المنصات المعارضة للقضية الفلسطينية ككل، تحارب المحتوى المتعلق بها، عبر حذف أكبر عدد ممكن من المنشورات المناصرة للشعب الفلسطيني ومقاومته، والمناهضة للاحتلال الصهيوني وجرائمه الوحشية، وقد كان أبرزها منصة فيسبوك، وإنستاغرام، وواتساب المملوكة جميعها من قبل الأميركي “مارك زوكربيرغ”.

وعلى مقلب آخر، لم تكن المنصات المناهضة للقضية هي وحدها العائق أو العدو الفريد في هذه الحرب النفسية الناعمة، بل إن سوء استخدام هذه الوسائل و”الجهل” المرافق لاستخدامها يجعل أصحاب العديد من المنصات بمثابة كارثة على الأمة بكل ما للكلمة من معنى.

الأمر يتجلى بنماذج عديدة، يأتي في مقدمتها التسابق الصحفي الأشد غباء في فبركة ونشر أخبار لا صحة لها، تضعف معنويات الناس وتزيد من خوفهم وارتباكهم، أو بتبني آراء تحليلية لا وجود لها في الأساس، والعمل على نشرها دون أي تأكد أو حتى تفكّر بمصداقيتها أو بكيفية تأثيرها على عقول الناس ومشاعرهم.

يتبع ذلك المجموعات الإخبارية والتحليلية التي ظهرت بكثافة مؤخرًا على تطبيق الـ “واتساب” تحديدًا، والتي جعل أصحابها من أنفسهم “مصدرًا موثوقًا” لنشر الأخبار والأحداث والإشاعات دون رقيب أو حسيب، فقط من باب حشد الجماهير والترويج لأحداث تخدم العدو في حربه النفسية إلى حد كبير.

الأمر لا يقتصر فقط على ذلك، فالفضول الأعمى في توثيق عمليات أو تحركات المقاومة مثلًا، تكون في الكثير من الأحيان نتائجه كارثية، وهو بذلك يشكل “عين العدو” في تتبع الأهداف والأشخاص وبالتالي الحصول على ما يسعى إليه دون أي مجهود يذكر.

هذه النماذج تشكل بعضًا من المفاعيل الخطيرة جدًا لسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو بالأحرى لقلة أو غياب الوعي المطلوب توفره في استخدامها، مما يدفعنا لنوجه دعوة جدية وحذرة لكل فرد من رواد التواصل الاجتماعي، أن يتحلى بالوعي والإدراك لكل ما ينشره، وأن يفكر بأبعاد نشر المحتوى الذي بين يديه قبل القيام بنشره، إن كان في ذلك خدمة للقضية أو للعدو، وبالتالي ليكون فعلًا فردًا مقاومًا وواعيًا ومؤثرًا في هذه الحرب الناعمة، لا عكس ذلك.

اساسي