وردت اليوم رسالة من الإعلامي ناصر اللحام، إلى سيّد المقاومة في لبنان. في العنوان، أسقط اللحام صفة “السيّد” عن اسم الأمين المؤتمن، وتماهى منذ ما قبل السطر الأول مع أدبيات الخطاب “المستعرب” الذي يستثقل الإقرار بسيادة المقاومة أولًا، قبل أن يكون لفظ السيّد في الأصل ذا بعد عقائدي لا يلزم اللحام، ولكن يتوجّب عليه احترامه، بموضوعية الاعلامي على الأقل!
في نص الرسالة، طبقة كثيفة من العسل، تتكوّن من الكثير من المفردات التي تعظّم “السيّد” وتستصغر المطبعين، علمًا أن انتساب اللحام إلى الذين لا مشكلة لديهم مع التطبيع واضح وصريح. وأكثر من ذلك، من يتابع اللحام يعرف جيّدًا استماتته دائمًا في ترقيع ارتكابات السلطة المطبّعة، أي عصابة أبو مازن، حين يكون ارتكابها أفظع من أن يجد له تبريرًا. المهم، تحت طبقة العسل هذه مباشرة، ثمّة الكثير من كتل السمّ، ومنها:
يعتقد ناصر اللحام أنّ قرار السيد بدخول الحرب (لا أعرف إن كان يتابع مجريات الأحداث في الجنوب) من عدمه (وهنا يفترض أن السيد لم يقرر بعد!) يقوم على معيار إثبات قدرات المقاومة وإسكات المغرضين! يعني، يريد القول إن خلفية دخول الحزب في المعركة تتعلق بـego الحزب والسيد وليس بما تقتضيه الظروف وليس أيضًا عقيدته الثورية الناصرة لكل مستضعف، بحسب قراءاته للظرف وللأحداث. وهذه إساءة وإن حاول وضعها في سياق غزليّ مليء بالـ”هوبرة” والحب.
يضمّن اللحام مقدّمة مناشدته للسيّد بعدم دخول الحرب، مع حثّه على عدم الاستجابة للمطالبين بدخولها، تهويلًا وتخويفًا صريحًا: “احراق لبنان فوق رأس حزب الله وتحطيم المقاومة”. لم يسمع اللحام على ما يبدو بما يحدث لجيش العدو على برّ غزّة، وربما خانته ذاكرة تموز ٢٠٠٦ في ما يخصّ النصر الإلهي، ويبدو أيضًا أنّه لا يتابع أخبار الرعب الإسرائيلي على الجبهة الشمالية ورجاءاته الدبلوماسية أن لا يتدخّل حزب الله. ثمّة تقاطع هنا، لا أريد التركيز عليه، كي لا أُتّهم بتخوين اللحام، سنفترض أنّها صدفة!
يعود اللحام إلى العبارات المنمّقة ليعبّر عن خوفه من إسرائيل، ويمرّر من بين السطور إيمانه بقدرة هذا العدو على ربح كلّ معركة وأي معركة، متجاهلًا، بقصد أو بغيره، كلّ التاريخ والذاكرة والمجريات الحالية التي أثبتت امكان هزيمة هذا العدو ودخول المنطقة في زمن الانتصارات، بل وإدخال العدو في مرحلة الزوال. يحق لناصر ولغيره أن لا يقرّوا بذلك، فالعقل المهزوم حالة موجودة بل وشائعة، ولكن أن يخاطب العقل المهزوم سيّد الانتصارات طالبًا منه عدم التدخل، فالأمر مريب هنا، ووقح!
يقول “بدأت الحرب في ٧ اوكتوبر وانتهت في ٧ اوكتوبر” وأن كلّ الذي تلا هذا التاريخ مجرّد انتقام. في الظاهر، يحمل هذا الكلام شيئًا من الصحّة: فالصهاينة تعرّضوا لهزيمة مدوّية في ٧ اوكتوبر تجعل كل ما سبق هذا التاريخ مختلفًا عما بعده. في عمق قليل، يصوّر اللحام أحداث غزّة وكأن العدو الإسرائيلي يستبيحها ولا أحد يقاوم فيها. طيّب، لم ير زخات الصواريخ التي تمطر المستعمرات، هل لم يسمع أيضًا بحجم الخسائر الإسرائيلية في كلّ محاولة توغّل داخل غزّة؟ صحيح أنّ الوجع في غزّة كبير، ولكن قوّة المقاومة والصمود والتصدي والتفاف الناس حولها كبيرة أيضًا، وبالتالي عزل نصف المشهد من المقاربة ليس مقبولًا تحت أي ذريعة، وإن كانت صرخة وجع!
يشكر صاحب الرسالة اليمن وكأنه يعاتبه. يناشد جميع دول المحور: لا تتدخلوا، فقط أوقفوا الحرب بأي ثمن ويختم “إذا كان نننياهو وحكومة اليمين قد فقدوا عقولهم، ليس على كل العالم أن يفقدوا عقولهم”. الدفاع عن أهل غزّة والثأر لدمهم هو بالنسبة لناصر اللحام فقدان عقل، ورد فعل على فقد نتنياهو لعقله؟! هل سقطت الطبيعة العدوانية والوحشية عن سائر الصهاينة، حتى صار فعلهم العدواني مقترنًا حصرًا بحكومة نتنياهو؟ دعنا من الصراعات الداخلية والاصوات ضد نتنياهو، فموقف معارضيه ليس خوفًا على غزّة، بل رعبًا مما تفعله المقاومة بهم!
ناصر اللحام غير مطالب بأن يفرح بما يحدث في غزّة، فجميعنا يقصم قلبنا الوجع، وغير مطالب بحثّ الدول وحزب الله على دخول الحرب، فهو يعلم بصفته اعلاميًّا على الأقل، أن الأمر لا يتعلق بمطالبة من عدمها، ولكنّه مطالب، وكثيرًا، بعدم دسّ الانهزامية في أي خطاب، فلا صوت يعلو فوق صوت اليقين بالنصر، ولا فوق صوت المعركة.
رسالة اللحام الى السيد، بأحسن الأحوال، هي رسالة المذعور الذي مسّه الجزع، وهو معذور إذ لكل شخص طاقة احتمال تنعكس على مواقفه، ولكن لا يجب أن يتحوّل هذا الخطاب إلى نمط معتمد في مقاربة الحروب، ولا سيّما تلك القائمة بين الحق كلّه والباطل كلّه.