شهدت المنطقة الجنوبية الحدودية خلال الأحداث العسكرية الأخيرة بين المقاومة والكيان الصهيوني، حركة نزوح ملحوظة لا سيما في الخطوط الأمامية المعرّضة للقصف الصهيوني الإجرامي، والذي وصل إلى حد استهداف البيوت الآمنة في أكثر من قرية في المنطقة.
حركة النزوح هذه حفزت العديد من المؤجرين في المناطق الآمنة لممارسة جشعهم واحتيالهم بشكل علني، دون أدنى مشاعر للإنسانية والاحتضان والشعور بمأساة الآخر، وبضمائر تخلو من الحق والمسؤولية، مستغلّين بذلك ظروف الناس المنهكة أساسًا من الأزمات المعيشية والحياتية من جهة، ومن غياب الدولة اللامسؤولة وتقاعسها عن أداء واجبها من جهة أخرى.
مع بدء الأحداث الأمنية في الجنوب، بدأت العديد من العائلات بالنزوح لمناطق أكثر أمنًا، لتبدأ معها بدلات إيجار العديد من الشقق السكنية بالارتفاع بشكل هستيري، دون أي ضوابط أخلاقية أو إنسانية أو حتى قانونية.
“سماسرة الحرب” مارسوا أشد أنواع الجشع على حساب أبناء وطنهم وليس على حساب الغرباء، اعتبروا النازحين بمثابة “صفقة دسمة” لا يمكن أن تضيع من أيديهم، حتى بات هؤلاء النازحين أشبه بالسيّاح، رغم أن الموسم السياحي كان قد شارف على الانتهاء، وفي هذا السياق أفاد العديد من النازحين أن إيجارات المنازل قد تضاعفت، ولم تكن فقط عبارة عن زيادة طفيفة في الأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، يذكر العديد من النازحين مواقف عدة واجهتهم بعد تواصلهم مع من لديهم شقق للإيجار، بعضهم قال إن بدل إيجار الشقة السكنية كان 400$ قبل بدء الأزمة بأسبوع، وبعد بدء حركة النزوح ارتفع ليبلغ 800$ أي ضعف المبلغ الأساسي، وفي إحدى المناطق وصل بدل إيجار الشقق المفروشة لـ 2000$، وفي مناطق أخرى تراوح إيجار الشقق السكنية غير المفروشة بين 700$ و1000$ واشترط بعض المالكين ألا يتخطى عدد المستأجرين في الشقة السكنية الواحدة الـ 5 أو 6 أشخاص.
معاناة النازحين لم تقتصر فقط على ما ذكر، بل وصلت “وقاحة” بعض المالكين إلى حد طلب دفعات مسبقة عن بدل الإيجار، لثلاثة أشهر أو ستة أو حتى لسنة، دون أي إمكانية للتفاوض أو التساهل في الشروط المحددة، ليثبت تجار الحروب بذلك تآمرهم على أبناء وطنهم وأنه لا اختلاف بينهم وبين العدو من حيث انعدام المبادئ الأخلاقية والإنسانية.
المأساة التي يعيشها اللبنانيون النازحون تطرح العديد من الأسئلة حول دور الدولة ومؤسساتها المعنية من وزارات ومراكز في متابعة ما يحدث، وكيفية الحد من هذا الاستغلال الوحشي لظروف الناس الأشد معاناةً على أرض هذا الوطن. وفي هذا الإطار تقع المسؤولية في الدرجة الأولى على وزارة الاقتصاد ودورها في تطبيق القانون فيما يتعلق بتحديد سقف لبدلات إيجار الشقق السكنية في المناطق منعًا لاستغلال الناس.
المسؤولية مسحوبة أيضًا على وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي شهدت مؤخرًا تحركًا عبر وزيرها هيكتور الحجار، حيث قامت الوزارة بإرسال مساعدات غذائية من مستودعاتها في بيروت إلى منطقة صور وضواحيها لتوزيعها على النازحين في مراكز الإيواء، إلا أن الأمر يتطلب المزيد من الجهود والتنسيق مع البلديات في مختلف مناطق الاستقطاب لاحتواء الأزمة بشكل أكبر وأشمل.
على الرغم من هذه المناشدة المتكررة للدولة ومؤسساتها في تحمل مسؤولياتهم اتجاه مواطني هذا البلد، إلا أن المناشدة موجهة أيضًا وقبل كل شي إلى ضمائر التجار والمالكين، بأن يكون لديهم بعض من الإنسانية والرحمة والتضامن مع الناس، وليس استغلالهم والتآمر عليهم، لأن العدو والمتآمر على الناس وأوجاعها هما وجهان لعملة واحدة.
والجدير بالذكر أن عدد النازحين اللبنانيين من القرى المحاذية للشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة قد بلغ 20 ألف نازح، وقد لجأ العديد منهم للقرى والمناطق الجنوبية الداخلية، حيث استقبلهم الناس كضيوف معزّزين مكرّمين، وعملت البلديات بالتنسيق مع لجنة إدارة الكوارث على تنظيم حياة النازحين وتأمين كافة احتياجاتهم.