منذ الساعات الأولى لتلقي “إسرائيل” صفعة طوفان الأقصى التي كشفت هشاشة كيانها المؤقت ووهنه وضعف جيشها وأجهزته الاستخبارية الأمنية، انشغل العالم بالحديث عن الرد الإسرائيلي والتهويل باجتياح قطاع غزة المحاصر منذ سبعة عشرة عامًا لتدميره وتهجير سكانه للقضاء على فصائل المقاومة فيه بدعم أميركي – غربي، وغطاء دولي في ظل صمت عربي وخنوع.
تدير واشنطن هذه المعركة بشكل مباشر، وقد استقدمت أساطليها المدمرة إلى المنطقة، بجانب حراك دبلوماسي لوزير خارجيتها الذي زار فلسطين المحتلة، ضمن الحراك السياسي الأميركي الذي انطلق منذ اللحظة الأولى للعملية، وشعور الأميركيين بخطورة الوضع الذي أوجب حضور الرئيس بايدن إلى فلسطين المحتلة لدعم حكومة الاحتلال الإسرائيلي ورئيسها في حربه ضد المدنيين في غزة بعد عجز جيشه عن تحقيق أي إنجاز في الميدان سوى التهديد باجتياح القطاع والتهويل على المدنيين بمزيد من ارتكاب المجازر التي لم تسلم منها دور العبادة ولا المستشفيات.
ولم تحرك جثث الأطفال وأشلاؤهم ضمير المجتمع الدولي والغربي تحديداً صاحب شعارات الحرية وحقوق الإنسان، وحتى الحيوان، وتجاوز الموقف الفرنسي الجنون الإسرائيلي – الأميركي بدعوة أقرب إلى المراهقة أطلقها الرئيس ماكرون يطلب فيها تشكيل ائتلاف دولي لمحاربة حماس، كما حملت رئيسة دبلوماسيته إلى لبنان رسالة فضحت سذاجة إدارتها وضعفها وتبعيتها العمياء للإدارة الأميركية متجاوزة مصالحها ومتجاهلة واقع الميدان بوجود قواتها العاملة ضمن اليونيفيل وهم على تماس يومي بمنطقة المواجهة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي في جنوب لبنان أو ما يعرف بالجبهة الشمالية للعدو، التي تشكل أحد أخطر نقاط الضعف في أي مواجهة مع المقاومة، ويتخوف من فتحها.
الخوف الإسرائيلي في الجبهة الشمالية هو أحد أسباب عدم توسع الاشتباك في الجبهة الجنوبية في غزة، التي غرق الإسرائيلي برمالها، إذ أثبتت التجربة البرية الأولى أمس، عجزه عن تحقيق أي إنجاز ميداني، لا بل أظهر واقع الميدان تماسك المقاومة وقدرتها بعد ثلاثة أسابيع من المواجهات والقصف، في حين لا زال العدو الإسرائيلي عاجزًا عن حماية مستوطنات غلاف غزة، بحيث تصل صواريخ المقاومة إلى مطار عاصمة كيانه الغارقة بقطعان مستوطنين تهجروا من غلاف غزة ومن الشمال خوفًا من مواجهة مع لبنان.
وبحسب آخر استطلاع للرأي، فإن أكثر من 65% من المستوطنين يرفضون عملية برية على قطاع غزة، وأكثر من 76% يعتبرون الحرب مع لبنان مدمرة ويرفضونها. هنا، حاولت الإدارة السياسية مع القيادة العسكرية في الكيان التعويض عن هذا الواقع بالتهويل ببداية اجتياح بري للقطاع بطريقة هوليودية تحاكي هواجس المستوطنين، تزامنت مع انطلاق مناورة عسكرية تحاكي معركة مع المقاومة اللبنانية في معركة افتراضية بإنجازات وهمية تحتاجها حكومة العدو لرفع معنويات الداخل وتلميع صورة جيشها المنهارة، وتحاول تجاوز نتائج معركة كشفت هشاشة “إسرائيل” وسقطت معها أسطورة جيشها وبدأت رحلة الانهيار الذي سيكون أسرع مما هو متوقع ربطًا بما يجري على مستوى العالم وتراجع الدور الأميركي فيه.