“بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب.. لا مالي ولا ولادي على حبك ما في حبيب”. لم يعلم وائل الدحدوح (مراسل الجزيرة في غزة) أن هذه الأغنية التي تشارَكَ مع عائلته في غنائها ضمن فيلم وثائقي عُرض سابقًا على الجزيرة الوثائقية، لم يعلم وائل أنها ستتحقق بالأمس ولكن هذه المرة بعرس جماعي لعائلته وتُكتب بدمائهم لتكون الأشعار التي تليق بفلسطين وبالدار الذي جمعهم في غزة ولم يتمكن من دفع القصف الاجرامي الذي لم يترك بشرًا ولا حجرًا ولا طفلًا ولا شجرة في غمرة الغضب الصهيوني والثأر لهيبة دولة تكتب اسمها على الماء، لا بالدماء كما تفعل غزة اليوم لتثبيت هوية الأرض.
“عم ينتقموا منا بولادنا “، هكذا علق وائل المفجوع بزوجته وابنه وابنته وحفيده، وما تبقى من عائلته تحت الركام.
برباطة جأش وصبر وإيمان تلقى الصحافي وائل الدحدوح وعلى الهواء مباشرة خبر عائلته، وهو الذي ما انفك منذ بداية الحرب على غزة عن النقل المباشر لجرائم الاحتلال الوحشية في غزة وخصوصًا في المستشفيات التي كان ينقل منها القصص والصور المعبرة عن الواقع اليومي للشهداء والجرحى والذين في معظمهم من الأطفال.
ومشاهد الدمار للمباني في غزة، وايصال الصوت للعالم، الذي يقف متفرجًا على حرب الإبادة الجماعية لأهل غزة والتي توازت مع هيروشيما من حيث حجم الأطنان من المتفجرات التي وصلت إلى 12000 طن حتى الأمس.
هذه الأطنان لم تشف غليل العدو الاسرائيلي المصفوع من كتائب القسام من خلال عملية طوفان الأقصى في السابع من اكتوبر الجاري.
هذا الجنون الصهيوني لم يكن ليتحمل رواية أخرى غير ما يسخر له اعلامه والاعلام الحليف في الغرب، خاصة بعد أن تعرضت صورة “اسرائيل” الديمقراطية والنموذج الغربي في الشرق الأوسط إلى الانتقادات والانتكاسات الشعبية بعد سقوط القناع في حفرة المستشفى المعمداني ودماء الأطفال والنساء الأبرياء في غزة.
وعلى الرغم من حملة الاستعطاف التي قادها الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبنيامين نتنياهو على مستوى الرأي العام العالمي، إلا أن المواقف الشعبية والرسمية لم تعد قادرة على تعتيم الحقيقة، وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقوله إنه من المهم أن ندرك أيضًا أن هجمات حماس لم تحدث من فراغ، لقد عانى الشعب الفلسطيني من احتلال خانق على مدى 56 عامًا.
بالطبع لا يمكن للكيان الغاصب أن يقف متفرجًا أمام انهيار صورة الجيش الذي لا يقهر، وكذلك أمام انهيار صورة التحضر والتمدن اللذين تدعيهما منظومة الاحتلال.
من هنا قد نفهم استهداف الصحافيين وتصفيتهم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء الحرب والذين وصل عددهم إلى 24 صحافيًّا، عشرون منهم من الفلسطينيين وكان آخرهم الصحافي جمال الفقعاوي الذي استشهد في قصف اسرائيلي على خان يونس.
لم يقتصر الأمر على الصحافيين، بل تجاوزهم إلى عائلاتهم كحال العائلات في غزة والتي محيت 600 عائلة منها بالكامل من السجل المدني.
لقد بلغ الهلع الاسرائيلي وحالة الهستيرية التي تسيطر على العقل الاسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول / اكتوبر، حدًا أصبح للكلمة فيها وقع كحال الصاروخ الحمساوي، من خلال استهداف الصحفيين بالمباشر، او اغلاق القنوات الاعلامية الفلسطينية والمواقع الالكترونية الداعمة لفلسطين، والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لمنع صور المجازر الاسرائيلية في غزة من خوض مسيرها للضمائر الإنسانية في العالم.
لكن، وكما قال وائل الدحدوح، إن كنتم تنتقمون من الكلمة بالقتل، والقتل للنساء والأطفال فهو دليل عجزكم، ودليل افلاسكم، وعامل قوة ويقين لإكمال مسيرة الصوت والكلمة لأن الحق في النهاية منتصرٌ لا محال، ولو تطلب نقلًا مباشرًا عبر دمائنا.