الكيان الغاصب ينزف اقتصاديًّا

لم يكن وقع السابع من تشرين الأول / أكتوبر كارثيًّا على الاحتلال الصهيوني في ميدان دون آخر، وبالطبع، لن تقتصر تداعيات الهزيمة الكبرى التي تكبدها الكيان المحتل على مجالاته العسكرية والاستخباراتية والسياسية فحسب، بل إن لواقعه الاقتصادي نصيبًا وافرًا جدًا من هذه الكارثة الوجودية التي حلت به.

النمر الكرتوني لم يصمد أمام هول الصدمة، وكذلك الأمر فيما يتعلق باقتصاده الذي لم يشهد فعليًا من قبل أي أَضرار جسيمة وقاتلة كتلك التي أصيب بها منذ بداية نكبة عملية طوفان الأقصى، والتي أدت إلى إضعافه بشكل غير مسبوق على الرغم من أنه يحتل المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن عملية طوفان الأقصى أطاحت بكل ما فيه.

لاقتصاد هذا الكيان الواهن تاريخ من الإخفاقات الكبرى، لعلّ أولها كان مع بداية قيام هذا الاحتلال في عام 1950، حيث اضطر رئيس الكيان وقتها دافيد بن غوريون ووزير المالية ليفي أشكول إلى اتخاذ إجراءات مالية قاسية للحد من الانهيار الاقتصادي وخوفًا من فناء المشروع الصهيوني.

استطاع هذا الكيان المحتل حينها أن ينجو من الانهيار الاقتصادي بفضل ثلاثة عوامل أساسية، يأتي في مقدمتها حصوله على الدعم المادي الكبير من قبل دول عدة أبرزها الولايات المتحدة الاميركية، يضاف إلى ذلك التبرعات الكبرى والهبات المقدمة من قبل الرأسماليين اليهود في شتى أنحاء العالم، والعامل الأهم كان في استيلاء الصهاينة على ممتلكات وأراضي الفلسطينيين وثرواتهم منذ عام 1948.

وبالعودة إلى تداعيات معركة طوفان الأقصى الاقتصادية على الكيان الصهيوني، فإن أول هذه التداعيات كان على القطاع السياحي الذي كان يعاني في الأساس من تأثيرات جائحة كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية، ليصطدم مجددًا بمعركة عسكرية صادمة جعلت شركات الطيران العالمية تلغي المئات من رحلاتها إلى الكيان لأشهر عديدة قادمة، مما يعني تراجع الإيرادات السياحية بشكل غير مسبوق.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أحد أهم تداعيات هذه المعركة كان استدعاء الحكومة الصهيونية لــ 360 ألف جندي احتياط، وهؤلاء الجنود هم فعليًا قوى عاملة في المجتمع الصهيوني، ما يعني انخفاض عرض العمالة في سوق العمل وبالتالي فإن مفعول ذلك سيكون كارثيًّا على الاقتصاد الصهيوني بفعل التضخم الاقتصادي الذي سيحصل.

والجدير بالذكر، أن أكثر القطاعات تضررًا من انخفاض نسبة اليد العاملة هو قطاع التكنولوجيا الفائقة، وهو القطاع الأقوى والأهم في دولة الاحتلال، لا سيما وأن هذا القطاع يقود النمو الاقتصادي فيها، ويساهم في نصف صادراتها الاقتصادية، وقد صرح العديد من الشركات العاملة في هذا المجال عن وجود الكثير من موظفيها ضمن جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم.

تأثيرات استدعاء هذا العدد الهائل من جنود الاحتياط كانت كارثية أيضًا على مستوى الإنفاق العسكري، لأن ثمة ملايين الدولارات التي “تحرق” يوميًا بسبب العملية العسكرية، مما يزود العجز الحاصل في موازنة الكيان المحتل، وتجدر الإشارة هنا إلى أن محاولة الحكومة الصهيونية تقليص هذا العجز في الموازنة هو أمر معقد وصعب للغاية، لأن الخيارات المتاحة لسد هذه الثغرة في الموازنة هي أيضًا مؤلمة للغاية.

عطفًا على ما ذكر، فإن أحد التداعيات المهمة التي يمكن الحديث عنها في هذا الشأن، هو الهبوط المفاجئ الذي طرأ على عملة الكيان الغاصب “الشيكل” منذ الأيام الأولى لمعركة طوفان الأقصى، حيث وصل لأدنى مستوى له منذ العام 2016 بمعدل 3.9 شيكل لكل دولار، ما استدعى تدخلًا قويًّا من البنك المركزي في الكيان المحتل لتدارك انهيار عملته.

البورصة الصهيونية كان لها نصيب من الانهيار الحاصل، والأمر لم يقتصر فقط على أسهم البورصة المحلية التي شهدت انخفاض بنسبة 6.5% وهو أكبر انخفاض لها منذ ثلاث سنوات، بل شمل ذلك أيضًا الأسهم الصهيونية في البورصات الأجنبية والتي شهدت أيضًا خسائر مدوّية.

وفي النتيجة التقديرية لحجم التكاليف التي من المتوقع أن يتكبدها الكيان الصهيوني الإرهابي خلال عملية طوفان الأقصى، تشير التقديرات الأولية إلى أن حجم هذه التكاليف سيصل إلى 27 مليار شيكل، أي ما يعادل 6.8 مليار دولار، أو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي للكيان المحتل.

يواجه الكيان الغاصب اليوم حالة من الانهيار والاستنزاف على كافة الجبهات، وقد بدأت معالم زواله تظهر بشدة عند كل حدث ومعركة، وهو وإن كان ما زال يعيش اليوم في هول الصدمة، فإنه سيستيقظ منها قريبًا وسيكون حتمًا الشاهد الأول على احتراق كيانه وزواله.

اساسياسرائيلطوفان الاقصىغزةفلسطين