بعد الصفعة التي تلقاها كيان العدو في السابع عشر من تشرين أول الجاري، استنفرت كل أجهزته المتعلقة بالعالم الافتراضي. بداية، كل الأجهزة القضائية فعّلت مساعيها مع الدول الغربية للحدّ من انتشار فيديوهات خيبة الكيان وهزيمته، تحت مسميات عديدة أهمها بث “محتوى عنيف”، وقد رضخ لها بطبيعة الحال مباشرة كل من الاتحاد الأوروبي، إنكلترا، والولايات المتحدة.
بعد ساعات قليلة بدأت منصات التواصل بسياساتها القمعية، وبدأت بتقييد المحتوى الداعم للمقاومة الفلسطينية، وحظره بالإضافة الى حذفه، وقد وصلت الى حد إلغاء الحسابات التي تنشر محتوى داعم للقضية الفلسطينية، ومنها وسائل إعلام إخبارية غير مؤدلجة تنقل مجريات الأحداث بكل تجرد وشفافية.
وحدة “السيغنيت 8200” سايبر التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية وغيرها من الجهات العاملة في العالم الافتراضي كالموساد، لم تتوقف عند ذلك الحد بل فعّلت منظومتها السايبيرية، لإنتاج محتوى داعم لـ”إسرائيل”، ولبث الدعاية الإسرائيلية، كما عملت على سرد روايات تخدم نشاطها العدواني الإجرامي، وتصور “إسرائيل” موطن الديمقراطية والإنسانية، وعملت على تشويه صورة المقاومة وأبرز مثال على ذلك رواية قطع رؤوس الأطفال على أيدي المقاومة الفلسطينية.
لطالما كانت هناك آلاف الصفحات والحسابات الإسرائيلية المزورة الموجودة على منصات التواصل الاجتماعي والتي تبث المحتوى الفتنوي التحريضي، أو تعمل على التجنيد عبر سواتر تجارية، كما يوجد حسابات تحمل اسم “إسرائيل بالعربية”، “إسرائيل تتكلم بالعربية”، “محبي دولة إسرائيل”، “إيدي كوهني”، “أفيخاي أدرعي”، “كابتين ايلا”، وبطبيعة الحال هدفها واضح تلميع صورة “إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي والشعب الإسرائيلي”. كان لهذه الحسابات دورًا كبيرًا وقد بثت محتوى ضخم عندما بدأت موجة التطبيع مع الدول العربية، وقد تفاعل معها للأسف العديد من الشخصيات الإماراتية والعربية وتحديد في الخليج.
عادة، ووفق عمل الخوارزميات، لا يمكن لكل هذه الحسابات الظهور بالطريقة التي نراها اليوم على منصات التواصل الاجتماعي إلا إذا كان هناك تفاعل معها (اعجاب ومتابعة)، البحث عنها، الدخول إلى إعلان ما، أصدقاء مشتركين.. الغريب في الأمر انها أصبحت تظهر لك دون أن تكون من متابعيها أو الباحثين عنها.
فرصة للنفاذ وكسر الحواجز
ماذا لو صدق أو تأثر بها أحد منا أو تعاطف لا إراديًا مع هذه الرواية التي تبثها وتنشرها الحسابات الصهيونية وخلفها العشرات من المتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس والدعاية؟ مَن يظن نفسه أنه إنْ كال لهم وهددهم وشتمهم وسبهم، فإنه بذلك يكون يفعل فعلًا طيبًا فهو مخطئ. فإنّ كل تفاعل مع هذه الحسابات أو الدخول إليها يصب في مصلحة من يديرها، ويمكنها أكثر من الانتشار والتوغل في مجتمعاتنا الإلكترونية .
لقد عرف العدو كيف يدير العالم الافتراضي، وعرف كيف يتحكم به، فبعد إرضاخ الدول الغربية، ومن بعدها غرف الحرب التي أنشأتها معظم شركات منصات التواصل الاجتماعي، عرف كيف يستفيد من مواقع التواصل لتزخيم المحتوى الذي يبيّن “إسرائيل” دولة مسالمة اعتُدي عليها من قبل إرهابيين، واستطاعت بفضل نفوذها تقييد المحتوى الداعم لفلسطين وتغييبه ودعم محتواها عبر قذف محتوى وحسابات بشكل عشوائي – مدروس من قبلها – وبدل أن نستفيد من هذه المنصات للتعبير عن رأينا، أصبحا في خطر يجب مجابهته، ما يويجب علينا تحليل السردية والرواية ومراقبة حركة العدو على مواقع التواصل والعمل على كيفية المجابهة والرد.