محمد جواد صفوان – خاص الناشر |
لا زالت آلة القتل الإسرائيلية تمعن في استهداف المدنيين في قطاع غزة لليوم السادس عشر على التوالي منذ السابع من تشرين الأول تاريخ العملية البطولية طوفان الأقصى موقعة العديد من الشهداء الذين هم في جلهم من النساء والأطفال ليتجاوز عدد الشهداء الأربعة آلاف شهيد وعدد الجرحى الأربعة عشر ألفًا.
هذا القصف الذي لا يستثني جامعًا أو كنيسة أو مدرسة يحتمي بها المدنيون أو مستشفى يتعالج فيه الجرحى بحيث لا يترك أي مساحة آمنة في القطاع وليس آخرها استهداف كنيسة للروم الأرثوذوكس في القطاع منذ أيام.
ولم تفلح كل الدعوات إلى التهدئة ووقف التصعيد وعدم استهداف المدنيين في إنهاء هذه الأزمة الإنسانية الكارثية بكل المقاييس، فعلى وقع القصف والتدمير عقدت قمة القاهرة أمس في مصر والتي حضرها أكثر من ثلاثين دولة عربية وغير عربية وعدة منظمات دولية وأجمعت غالبية الدول في مواقفها على وقف العدوان الصهيوني على أهل غزة والسماح للمساعدات الإنسانية بالدخول إلى القطاع عبر معبر رفح بشكل مستدام واللجوء إلى طاولة المفاوضات مع حفظ حق الفلسطينيين في دولة مستقلة وأيضًا عدم القبول بأي شكل من الأشكال بتهجير الفلسطينيين من غزة وتصفية القضية الفلسطينية، فيما عبرت أكثر من عشرين شاحنة محملة بالمستلزمات الطبية والوقود والمواد الغذائية مع تخصيص هذه المساعدات لجنوب القطاع وتشديد التنبيهات بإخلاء شمال القطاع من المدنيين وتصنيف كل من يبقى في الشمال على أنه إرهابي.
هذه الكمية من المساعدات غير كافية بالمطلق لإغاثة الوضع الإنساني الكارثي الذي يعاني منه القطاع، فيما يطلق العدو الإسرائيلي بين الحين والآخر تصريحات على لسان مسؤوليه باقتراب بدء العملية البرية على القطاع للقضاء الكامل على حماس وباقي فصائل المقاومة في غزة.
على المقلب الآخر في شمال فلسطين على الحدود اللبنانية لا زالت الجبهة مشتعلة متخذة شكل المناوشات العسكرية الاستنزافية من خلال استهداف المقاومين لمواقع وتحصينات وآليات العدو بالصواريخ الموجهة خصوصًا الكورنيت موقعة إصابات مؤكدة حيث يعترف إعلام العدو كل يوم بعدد من الإصابات بين قتلى وجرحى في الجبهة الشمالية بالإضافة لضرب كل كاميرات العدو وراداراته على طول الحدود في إشارة إلى أن المقاومين يحضرون ويتجهزون لمعركة برية أكبر مع العدو من خلال الدخول إلى الأراضي المحتلة.
في المقابل أجلى العدو أكثر من ٢٧ ألف مستوطن من مستوطنات شمال فلسطين المحتلة لإبعادهم عن الخطر في حال حصل التصعيد بين لحظة وأخرى، وبالتالي تحقق المقاومة من خلال فتح جبهة الشمال بمستواها الحالي عنصر التماس مع العدو لتستطيع لاحقًا توسيع أو تصعيد المواجهة إذا تطلب الأمر ذلك بالإضافة إلى تحقيق هدف مهم آخر وهو إشغال العدو بجبهة ثانية لتخفيف الضغط عن المقاومين في غزة.
هاتان الجبهتان إلى الآن تكلفان العدو تكاليف اقتصادية باهظة من عدة نواح منها تكاليف إجلاء المستوطنين إلى الفنادق وتكاليف المعركة العسكرية بالإضافة لتراجع حجم التجارة والسياحة في الكيان بحيث أصبح الكيان يتكلف ملايين الدولارات يوميًّا جراء الحرب في غزة وفي لبنان، فهل يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي الصمود فترة طويلة أمام هذه التكاليف؟
أما على الصعيد الدبلوماسي فعلى خط الأزمة تتقاطر الوفود الدبلوماسية إلى بيروت لزيارة المسؤولين اللبنانيين لغرض أساسي هو الضغط على حزب الله لناحية عدم الدخول في الحرب إلى جانب غزة، فيما حزب الله لا يعير هذه الرسائل الدبلوماسية أي انتباه ويوجه جل تركيزه على أرض المعركة وما تتطلبه الجبهة، فيما صرح مسؤولوه السياسيون أن الحزب سيكون حيث يجب أن يكون وأنه حاليًّا في قلب الجبهة ومستعد لتوسيع دائرة المعركة إذا تطلب الأمر ذلك.
من خلال ما تقدم يمكن استنتاج أن الجبهة أصبحت أكثر سخونة على الجبهتين الجنوبية والشمالية بانتظار ما تفرزه الأيام القادمة من تطورات عسكرية على أرض الواقع ومن تبادل للرسائل بين الدول صاحبة النفوذ في المنطقة. ومن بين تلك الرسائل على سبيل المثال حاملتا الطائرات اللتان أرسلتها أميركا إلى المتوسط على شكل دعم معنوي للموقف الإسرائيلي وبالمقابل الصواريخ التي يرسلها الحوثيون إلى فلسطين وتعترضها الصواريخ الأميركية بالتزامن مع إعلان حزب الله العراق استهداف قاعدة عين الأسد الأميركية بالصواريخ المناسبة مع تحقيق إصابات في رسالة مفادها أن كل القواعد الأمريكية في المنطقة هي تحت مرمى نيران المقاومين الذين يقاتلون تحت راية واحدة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن. وبالتالي لا يمكن التكهن بما سيحصل بالآتي من الساعات والأيام في ظل التعنت الإسرائيلي والتلويح بالحرب البرية على غزة التي تأجل البدء فيها أربع مرات إلى الآن في إشارة إلى تردد واضح لدى قادة الكيان في هذا الأمر.
بناء على ما تقدم فإن أي قرار بتصعيد بري على القطاع سيكون هو المفتاح الأساسي لأي تصعيد محتمل في المنطقة كلها خصوصًا أن الإسرائيلي يحتاج إلى أي انتصار ليعيد إلى الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي بعض الثقة وماء الوجه الذي ذهب تحت أقدام المجاهدين في هجوم طوفان الأقصى وهذا ما حذر منه الحليف الإستراتيجي لـ”إسرائيل” جو بايدن.