لم تكن جريمة التطبيع مع العدو الإسرائيلي جديدة في قاموس العديد من القنوات التلفزيونية اللبنانية والعربية، فقد اعتادت هذه القنوات الغارقة في مستنقعات العمالة على التطبيل والتصفيق لأسيادها الصهاينة والتحريض الدائم ضد حركات المقاومة والعدائية لمحور الممانعة.
هذا التطبيع العلني وصل اليوم ومع انطلاق معركة طوفان الأقصى المباركة إلى مرحلة متقدمة من “الوقاحة”، حتى باتت بعض المحطات الإعلامية حليفةً للصهيونية بكل ما للكلمة من معنى، تؤدي دورها على أكمل وجه، دون أن يكون هناك فارق جوهري بينها وبين الإعلام العبري سوى باللغة الناطقة.
قضية التطبيع بين الإعلام العربي والعدو الإسرائيلي تُظهر فعليًا رغبة الحكام والأنظمة العربية اتجاه ما يسمى “إسرائيل”، ورؤيتهم الحقيقية لطبيعة هذا الكيان الغاصب. والأمثلة بهذا الشأن عديدة غير محصورة بنظام معيّن، ولعلّ النموذج المصري ومن بعده السعودي ن أبرز النماذج بهذا المجال.
حاول الإعلام المصري إعادة تعريف الصراع بين الاحتلال الصهيوني ومصر واعتبار “إسرائيل” دولة من دول الجوار، واستبدال مصطلح “العدو الإسرائيلي” بـ “دولة إسرائيل” وصولًا لترحيبه باللقاءات السياسية المصرية-الإسرائيلية واعتبارها إنجازات سياسية!
وفي المشهد السعودي، صرّح بعض من زار الكيان الصهيوني أن الشعب العربي عمومًا يتعاطى بعاطفته مع هذا الكيان، وأن المملكة تريد تحقيق تعايش بين العرب و”إسرائيل”، وأن المنطقة بحاجة إلى رجل قوي ومنطقي مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.
هذه التصريحات الصادرة عن قيادات في السعودية، لم تلق تجاوبًا ومديحًا من قبل الشعب السعودي بشكل عام وجزء من الإعلاميين والكتاب السعوديين أبدوا استنكارهم ورفضهم لهذا التطبيع وقد عبروا عن ذلك في تصريحاتهم ومقالاتهم.
وبالحديث عن أبرز وجوه هذا التطبيع الإعلامي ، يأتي في المقدمة استضافة شخصيات عديدة لصهاينة في مستويات ومواقع مختلفة، حيث تزايد ظهورها في السنوات القليلة الأخيرة على عدة قنوات عربية، خصوصًا المتحدث باسم جيش الاحتلال الصهيوني المنافق “أفيخاي أدرعي” والذي ظهر مؤخرًا ضمن مداخلة تلفزيونية على قناة “العربية” المطبّعة منذ عدة أيام، وقد حاورته المذيعة اللبنانية التي قامت بمناداته “أستاذ أفيخاي”، وليس في ذلك طبعًا سوى دلالة واحدة فقط، وهي انعدام ساحق لمعاني الكرامة والإنسانية.
مظاهر التطبيع الإعلامي هذا لم تقتصر على القنوات العربية المطبعة، بل كان لعدد من القنوات اللبنانية نصيب منها، وهي وإن كانت لا تستقبل مداخلات تلفزيونية لوجوه صهيونية، إلا أن سياستها الإعلامية التحريضية للمقاومة والبيئة الحاضنة، هي وجه آخر من وجوه التطبيع الإعلامي مع العدو الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، تشرع هذه القنوات اللبنانية باستقبال ضيوف ومحللين وصحافيين بوجوه عربية وانتماءات صهيونية، يتحدثون عن المعارك انطلاقا من تبرئة “إسرائيل” ومنحها حق الدفاع عن النفس، ولكي لا تثبت تهمة العمالة عليهم بطريقة شرعية، يتعاطفون “شكليًا” من خلف الشاشات مع ما ترتكبه الآلية الوحشية الإسرائيلية من جرائم دموية بحق أهالي غزة.
وبالمقابل، إن حجم التعاطي السلبي والاستنكاري لرواد ومتابعي وسائل التواصل الاجتماعي مع ما تبثه هذه القنوات العربية واللبنانية لا سيما المداخلات الخاصة بالصهاينة، يثبت حجم الجريمة الإعلامية التي ترتكبها هذه القنوات بفعلتها هذه، لا سيما وأن البعض منها يعطي للصهيوني الحق في سرد الرواية الصهيونية على لسانه للمتلقي العربي، ويمتنع حتى عن مناقشته أو اعتراضه!
هذا التطبيع الإعلامي يثبت مجددًا أن العدو حاضرٌ بوجوه عدة، وأن هذا الحضور يتطلب بالمقابل حملات إعلامية ضخمة ومجهزة حاضرة لنصرة القضية الفلسطينية، ونشر جرائم العدو على أوسع نطاق وإدارة حملات مقاطعة العدو الصهيوني في كل بلد عربي، وتبيان خطورة هذا التطبيع على الشعوب والبلاد والمقدسات العربية.