حسن الخنسا – خاص الناشر |
تسعى الدولة اليهودية الزائلة للتخفيف من وقع هزيمتها أمام الساعات الأولى من “طوفان الأقصى”، عبر تصوير قصفها للمدنيين والمنازل الآمنة على أنها أهداف للمقاومة في فلسطين.
لقد حققت المقاومة ومنذ اللحظات الأولى انتصارًا مدوّيًا زلزل الكيان المؤقت وجعل حكومته تقف عاجزةً لساعات، بينما تقوم المقاومة بتحرير المستوطنات في ما يُسمّى بغلاف غزة وأسر الجنود والمستوطنين.
وبعد أسبوع على الطوفان الذي أغرق الكيان بالمصائب والتداعيات الكارثية من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، ماذا تريد الدولة اليهودية الزائلة أن تقول للمجتمع الدولي وخصوصًا لراعيتها الولايات المتحدة الأميركية، ولشعبها الذي يعاني من رهاب الموت أو الهجرة؟ بالمقابل ماذا حققت المقاومة من هذه العملية النوعية؟ وإلى أين تتّجه الأمور ميدانيًا على الساحات كافة؟
لقد أنجزت المقاومة خلال الأيام الماضية ما لم يكن متوقّعًا حتى لدى بعض قادتها من الصف الثاني الذين لم يكونوا على علم بما سيجري صباح السبت “المجيد”، إذ نستطيع القول إن هذا الإنجاز أتى متكاملًا من حيث الرؤية والتنفيذ.
أولًا، الجدار الذي قامت الدولة اليهودية خلال الأعوام الماضية بتشييده بكلفة بلغت مليارات الشواكل، دمّرته المقاومة خلال دقائق عبر عناصر عدّة أهمّها الاختراق السايبيري للأجهزة الأمنية، واستخدام الطائرات الشراعية الذي ترافق مع تضليل للدفاعات الجوية ومنظومة القبّة الحديدية.
ثانيًا، تحوّلت المقاومة من موقع دفاعي إلى وضع هجومي، حيث إن الاشتباك مع العدوّ من مسافة صفر ضمن المستوطنات التي تُعتبر آمنة سوف يضع قواعدًا جديدة للاشتباك ويؤسّس لحرب التحرير الكبرى، التي لن يستطيع مستوطنو هذا الكيان تحمّل أوزارها.
على مرّ الزمن، نجحت الدولة اليهودية الزائلة في إقناع المجتمع الدولي أنها شريك إقليمي يمكن الاعتماد عليه لتحقيق المشاريع الغربية في بلادنا بكلفة أقل ومخاطر أقل مما يمكن أن يتورّط به الغرب وتحوّلت إلى مخفر الغرب في المشرق العربي، وهذا المرتكز الأساس في قوّتها. أمّا اليوم مع تعاظم قدرة المقاومة في استنزاف الكيان وتوريط الغرب والولايات المتحدة الأميركية بحروب إقليمية كبرى، أصبحت الدولة اليهودية الزائلة عبئًا كبيرًا على المشروع الغربي وواشنطن التي تسعى منذ أعوام لفرض “حلّ الدولتين” على الطرفين الفلسطيني و”الإسرائيلي” في ظل انهماكها في الحروب الباردة مع روسيا والصين.
إلى ذلك، يسعى بنيامين نتنياهو ومنذ بداية العام حين انتُخب رئيسًا للحكومة وائتلافه اليميني المتطرّف لإنهاء المسألة الفلسطينية والقضاء على المقاومة، وتثبيت “حلّ الدولة الواحدة” على قاعدة أن يعيش الفلسطينيون فيها كرعايا أو يهاجرون بمساعدة الكيان إلى الخارج ومن يرفض منهم أحد الأمرّين يُقتل. من خلال “طوفان الأقصى” أعادت المقاومة تثبيت معادلات الردع العسكرية والسياسية، وفرضت واقعًا على الاستعمار بكلّ أشكاله مرتكزه الأساس التحرير الكامل لفلسطين من البحر إلى النهر.
في ظلّ ذلك كلّه، تسعى الدولة اليهودية الزائلة إلى تسجيل انتصار لتلميع صورتها المتهاوية أمام العالم، وتظنّ أن ذلك من الممكن أن يتحقّق عبر الاجتياح البرّي لقطاع غزّة، متناسيةً أنها قد تغرق في مستنقع من الموت والدم داخل أزقّة وأنفاق المقاومة.
في المقابل، يدور في الأفق طرح أميركيّ يقضي بفتح ممر آمن لسكان غزة وتهجيرهم مجددًا عبر معبر رفح إلى شبه جزيرة سيناء، وذلك تمهيدًا لدخول الجرافات وإزالة هذه المنطقة الجغرافية كليًا عن الخريطة، والقضاء على المقاومة نهائيًا. يصطدم هذا الطرح بعقبات لا يمكن تجاوزها:
تسعى أميركا والدولة اليهودية الزائلة إلى إغراء مصر بتسديد ديونها مقابل استقبال الفلسطينيين وتوطينهم في سيناء، لكن مصر غير قادرة على استقبال مليوني لاجئ تقريبًا إذ لا يمكنها تحمل تبعات المشاركة في تهجير الغزاويين بشكلٍ واضح.
يجري طرح أخذ زمام المبادرة في الشمال وتوجيه ضربة وقائية لحزب الله لأنه في أية لحظة قد يفتح جبهة ثانية لا يستطيع الكيان خوضها، وقد عبّر حزب الله عن ذلك بوضوح أنه يتابع مجريات الأمور وعلى تنسيق كامل مع “حماس” و”الجهاد”، وأنه لن يتوانى عن دخول المعركة متى دعت الحاجة.
انقسمت حكومة العدو بين مؤيّد ومعارض، مؤيّدو الضربة يدّعون أن هذه الفرصة لن تتكرّر حيث أن جيش الكيان مجنّد وجاهز بقوّة للدفاع في الشمال، والأسطول الأميركي يقف إلى جانبه. بينما يدّعي معارضو الضربة الوقائية، أنه بعد كارثة “طوفان الأقصى” من الصعب على الكيان أن يجتاز صدمة قاسية أخرى وتحمّل ترسانة حزب الله الصاروخية.
إخلاء غزة يعني خروج المدنيين أمّا مقاتلي المقاومة سيجدون أنفسهم أمام حرب إبادة وبالتالي استبسالهم في خوض الحرب وربّما لجوئهم إلى العمليات الاستشهادية ليس في غزة فحسب بل في الضفة الغربية والداخل.
يسعى العدو إلى تحييد حزب الله جانبًا، وما وصول البارجة الأميركية الثانية “آيزنهاور” أمس إلى ساحل المتوسّط إلا رسالة للساحات الأخرى بعدم التدخّل في مساعدة الفلسطينيين. لكن محور المقاومة قد فهم الرسالة جيدًا وأرسل بالمقابل رسالته في البو كمال مؤكدًا أن التدخّل الأميركي يعني تعريض القوات الأميركية في سوريا والعراق للخطر.
المقاومة اليوم أكثر تماسكًا ووحدةً من أي وقتٍ مضى، تقول وتفعل ويقف العالم الغربي كلّه بترساناته العسكرية والسياسية مذهولًا أمام ما أعدّت لهم من القوّة. والمقبل من الأيّام سيؤكّد على هزيمة الدولة اليهودية وحتمية زوالها.