بين الصين وأميركا: حرب بذخيرة اقتصادية وأوروبا ضحية!

لا تزال معالم الحرب الاقتصادية الباردة بين بكين وواشنطن واضحة ومتجددة من وقت لآخر، ورغم ما تبينه الأرقام الصادرة عن الجهات الاقتصادية المتعلقة بالطرفين، والتي تظهر توسع حركة النشاط التجاري بينهما في الآونة الأخيرة وعلى نحو غير مسبوق، إلا أن التوقعات والتحليلات الجديدة تظهر أن” المعارك الاقتصادية الباردة” لا زالت محتدمة بين القوتين الأعظم اقتصاديا على مستوى العالم.


ورغم تباين المؤشرات المتعلقة بمستقبل العلاقة بين الصين وأميركا، إلا أنه من الواضح أن المعركة الاقتصادية بينهما تتخذ كل يوم وجهًا مختلفًا وميدانًا جديدًا، والمؤكد أن هذه الحرب الباردة لها تداعياتها الكبيرة على الاقتصاد العالمي ككل والاقتصاد الغربي على وجه الخصوص.


الصراع بين مد وجزر.. والذخيرة اقتصادية
رغم تدهور العلاقات بين بكين وواشنطن على مختلف الأصعدة في السنوات الأخيرة، إلا أن الزيارات الأخيرة المتبادلة بين الطرفين تشير إلى نوع من “الحلحلة” في طريق وقف التدهور الحاصل في العلاقات، وقد كان أبرز هذه الزيارات، زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، ومن قبلها زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى بكين.


الزيارات الرسمية الرفيعة المستوى لم تكن وحدها الإشارة الواضحة على وجود نية لدى العملاقين الاقتصاديين بإعادة هيكلة مسار العلاقات بينهما، رغم مخاوف كل طرف تجاه الآخر، إلا أن حجم التبادل التجاري الذي سجلته الإحصاءات الاقتصادية في العام المنصرم، هو دلالة أخرى على وجود نية فعلية لدى الطرفين بتهدئة نيران المعارك المتقدة بذخيرة اقتصادية.


ووفقًا للإحصاءات، فقد سجلت تجارة السلع بين الولايات المتحدة والصين أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 690 مليار دولار خلال العام الماضي (2022)، على الرغم من تراجع الاستثمارات المباشرة في كلا الاتجاهين
وفي هذا السياق يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين، أن هذه الوقائع لن تشكل ضمانات بعدم استمرار العلاقات بين الصين وأميركا بالتدهور، لأن مسألة إيجاد حلول للخلافات العالقة يحتاج إلى الكثير من التفاوض والالتزام والوقت، بينما يرى آخرون أن سياسة “تحجيم المخاطر” التي تسعى الولايات المتحدة إلى تطبيقها قد تكون نتائجها مشابهة لنتيجة “قطع العلاقات” بين الدولتين.


وبالعودة إلى الحرب التجارية الصينية الأميركية، تجدر الإشارة إلى أن معالم هذه الحرب بدأت خلال فترات حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي بدأ بشن حرب تجارية على التنين الصيني، وقد تبلورت أشكالها مع تولي بايدن الحكم في أميركا، حيث سعى الأخير إلى إحباط التقدم الصيني في القطاعات الإستراتيجية وتقليل اعتماد الولايات المتحدة على الصين في السلع الحيوية.


هل باتت أوروبا ضحية هذه الحرب الباردة ؟
لا بد أن تكون تداعيات الحرب الاقتصادية الباردة بين بكين وواشنطن كبيرة وخطيرة جدًا على الاقتصاد العالمي ككل، إلا أن تداعياتها لها تأثير خاص ومعقد جدًا على القارة الأوروبية تحديدًا.


وفي هذا الإطار، يجد العديد من المحللين الاقتصادي أن السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة للحد من النفوذ والتوسع الاقتصادي العالمي للصين، لم تأخذ فيها بعين الاعتبار التأثيرات الكبيرة على “الاقتصاد الأوروبي” ، وقد كان أبرزها سياسة “قانون خفض التضخم” الأميركية لتعزيز الصناعات الخضراء مثل الشركات المصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية، والذي خُصّص له 430 مليار دولار كدعم وإعانات لتلك الشركات، شرط أن تصنع الأخيرة هذه المنتجات في الولايات المتحدة.


تباينت التصريحات الأوروبية حول “قانون خفض التضخم” الأميركي، فبينما اعتبره البعض بمثابة “الخطوة غير المقصودة” التي كانت أوروبا ضحيتها، اعتبر آخرون وعلى رأسهم باسكال لامي، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، إن على أوروبا “ممارسة الضغط” على واشنطن لأن الخطة “معادية لأوروبا أكثر مما هي معادية للصين”.
وبالمقابل، تتجه الأنظار أيضًا إلى إستراتيجية التعامل الاقتصادي بين أوروبا والصين، حيث أصبحت المكونات الصينية في صلب عمليات تصنيع السيارات في القارة الأوروبية، كما أن سلاسل إمدادات الطاقة النظيفة في أوروبا يعتمد بشكل كبير على الصين، مما يثير بالمقابل قلق الولايات المتحدة اتجاه أي تطور إيجابي للعلاقات بين دول الإتحاد الأوروبي والصين، لا سيما في ظل الانقسامات الحاصلة بين الولايات المتحدة وأوروبا والتي تستغلها الصين بشكل بارع في إطار إبعاد أميركا عن شركائها.


من الواضح إذًا أن مستقبل العلاقات الصينية- الأميركية لا زال متوترًا على الرغم من حجم التبادل القائم بين الدولتين، إلا أن هذه العلاقة مرهونة أيضًا بعوامل عدة، أبرزها التطورات السياسية الحاصلة في العالم، وليس آخرها الحرب الأوكرانية الروسية التي تغيرت معها معالم النظام العالمي الجديد بكل أوجهه وأشكاله.

اساسي