يقول مثلٌ قرويٌّ قديم إنّه لو وُضع ذيل الكلب في قالب مائة عام، لعاد إلى التلويح ما إن يُنتزع من القالب. ويصحّ المثل في كلّ ذيل يلوّح بأمر الصهيونية، مهما كان نوع القالب الذي وُضع فيه، ولو كان زنزانة العقاب بناء على أحكام قضائية ثابتة. هل تعرفون أحدًا بهذا الوصف؟ الجميع يعرفه، وهي معرفة مؤسفة بكل الأحوال.
لم يكذب المثل إذًا؛ منذ أول أيام خروجه من القالب بعفو سياسيّ عاد إلى التلويح في كل الاتجاهات التي يحدّدها له الرأس المدبّر. وينبغي التذكير أن العفو لا يعني بأي حال من الأحوال تبرئته مما ثبت تورطه فيه، عدا عن الارتكابات المهولة التي لم تدخل ملفاتها المسار القضائي أصلًا. المضحك أنّه إلى جانب تلويحه المشهود هذا، يحاول إقناعنا أنّه في موقع وضع معايير العمل الجرميّ، ومن السهل اكتشاف القاعدة التي يقيس بها: كلّ عمل يضرّ بمصالح أميركا و”إسرائيل” مهما كان هو عمل جرمي، حتى ولو كان هذا العمل هو حريّة الاعتقاد بثوريّة عاشوراء، وكلّ عمل يصبّ في صالح مشغّله هو عمل وطني سياديّ، وما أشدّ ركاكته إن حاضر بالوطنية والسيادة، علمًا أنّه جرت العادة أنّ يتميّز عديمو الشرف بفصاحة المحاضرة به، إلّا هو، حتى في ذلك ركيك ومكشوف.
خرج الذيل من القالب، لوّح في كلّ الجهات طلبًا لمن يتبنّى ويموّل له مشروعه العتيق، وبالأحرى طلبًا لثقة المشغلين الذين خيّبهم بفشله في كلّ المرات السابقة، لوّح مقدّمًا أوراق اعتماد لدى السعودية عسى الداشر فيها يمنحه توكيلًا في لبنان، وقد تطلّب منه ذلك السعي للابقاء على سعد الحريري محتجزًا في الريتز، والكثير من الانبطاح عند أقدام البخاري، عسى السفير يتوسّط له في البلاط السعودي ويعود إليه بوكالة وإن مؤقّتة يثبت من خلالها قدرته مع عصابته على “قتال” حزب الله. ولوّح عند كلّ مفترق تراءى له فيه خيال أحد قد يهبه ثقة لمواجهة الحزب الذي علوّ شرفه يذكّره في كلّ لحظة بخيباته ذليلًا منعدم الشرف الوطني.
مرّت الأيام، والذيل من التلويح لا يتعب. غلبه الجوع إلى الدم المراق وقلّ صبره فغدر، وحرّض على الغدر، وظلّ عاجزًا عن استدراج الحزب العالي إلى مستنقعاته الفوّاحة بالإجرام وبالخِسّة الوطنية. ضلّل، كذب، افترى، غدَر، ولم “يشيله” من أرضه أحد، لا الحزب ارتضاه خصمًا ولا المشغّلون آمنوا به أداة فاعلة، بقي بالنسبة إليهم في خانة الاستخدامات المتفرّقة حين تدعو الحاجة، وعلى سبيل انعدام الوجود البديل فقط.
في الآونة الأخيرة، تبدو على وجهه علامات السرور، كأن وجد أخيرًا من يهبه ثقة، أو يعطيه فرصة التجربة. عادت الأحداث المتفرقة والتي تحمل بصماته للظهور بشكل متسارع في مختلف المناطق، وهو الشهير بسيناريو قتل من معه كي يرمي التهم على الغير للاستفادة من لحظة سياسية ما، أو في إطار صفقة لا يطول الوقت حتى تخرج للعلن، وقد تكشف الأيام مثلًا أنّ مقتل القواتيّ الحصرونيّ في عين ابل ليس بعيدًا عن السيناريوهات الجعجعية المعتادة، وكذلك حوادث اطلاق النار المتفرّقة. هذه الحوادث التي أُضيفت وقد تكون صُنعت أصلًا لتشكيل بؤرة رمي اتهامات ناحية المقاومة، تزامنت مع نشاط إعلامي قوّاتي يحرّض ضد الحزب ويصفه بالإجرام، بناء على قاعدة إن لم تستطع تحمّل شرف الآخرين فاقذفه بما فيك من مظاهر قلة الشرف.
نحن هنا، والذيل سيعود إلى القالب مهما طال تلويحه، وسيبقى فيه ليس لشيء سوى أنّه بعد الآن لن يرضى أحد بخوض تسوية يكون فيها إخراجه من القالب شرطًا لهدوء بال مؤقت. نحن هنا، نعرف أنّ العدو الرابض على صدر منطقتنا هو وجهة رصاصنا وكلّ أعمالنا، ونعرف أنّ أذياله، مهما طال تلويحها ضدنا، لا تلوّث خيطًا من نسيج طهرنا، ولا تصبح في أي يوم ذات صفة لدينا سوى ذيل صهيوني مصيره إلى القالب أو إلى مزبلة الجزارين.