تزيّنت أمسية يوم الأحد بحضور سامي الجميل، وريث حزب الكتائب وحامل ارث آل الجميّل بكلّ ماضيه الأسود، وسمير جعجع، رئيس حزب القوات المنحلة سابقًا والعائدة على صهوة الحنين إلى ماضٍ أسود أيضًا.
بين الاثنين، بما يمثّلان، يبدو للوهلة الأولى تقاطع الأدوات والتنسيق فيما بينهما واضحًا، وهو تقاطع تفرضه الظروف والوقائع، وأوامر المشغّل. أما في حقيقة الأمر، فبينهما ما يشبه “عداوة الكار” والتنافس في ميادين عدّة أبرزها الولاء للأميركي وشركاه، وتمثيل نسبة قليلة متفرّقة من الشارع المسيحي.
ما يجمع بين الاثنين قليلٌ نسبة إلى ما يفرّقهما، ولعلّ في كلماتهما منذ يومين ما يدفع المرء إلى التساؤل:، لو لم يكن هناك حزب يدعى حزب الله، أيّهما كان سيبادر إلى إلغاء الآخر: الكتائب الذي يعاني الناطق باسمه من عقدة “الدرجة الثانية” أم القوات التي تحنّ بصوت جعجعها إلى أيام سلطة الأمر الواقع؟ ويتفرّع عن القليل الجامع بينهما سيل من المشتركات الخطابية التي تفرضها المعركة: تضليل، مراوغة، تحريض، سوق اتهامات كاذبة، تحريف وقائع، والمجاهرة بالعداء نحو حزب الله حتى يكاد المرء يجزم أنه لو قال حزب الله إن اللبن أبيض، لتسابق سامي وسمير لتلوين اللبن وانكار بياضه.
في المشهد، يبدو سامي متوترًا مطالبًا بالحوار بناء على شروط وضعها بنفسه قياسًا بوهمه المستجدّ والذي يدور حول شعوره بالاضطهاد: لن نكون مواطنين درجة ثانية. لا داعي للتدقيق في وهمية الفكرة، ولا للتساؤل عمّا يكون قد أشعر سامي أنّه بخطر النزول درجة على سلّم المواطنة المفترض. في الحقيقة، مشكلة سامي أنّه فقد امتيازاته كمارونيّ يفترض أنّ الامتيازات حقّ له، وبفقدها صار مساويًا لجميع باقي المكوّنات اللبنانية. مشكلته ليست في الدرجة الثانية التي يتوهّمها، بل في فقده بطاقة الـVIP في التركيبة اللبنانية والتي كانت تشعره بتفوّق ما على الآخرين. وفي المشهد أيضًا، يحاول جعجع تصوير نفسه كممثّل أوحد للمسيحيين في لبنان -ولسنا ندري إن كان ثمّة عاقل يرضى بأن يمثّله جعجع- ويرفض أي صيغة حوار -علمًا أنه لم يُعلن عن أي طوابير ترجوه قبولًا بالحوار- ويهزأ من فكرة الدعوة إلى الحوار ويعتبرها لعبة لأن الفريق الآخر لا يمتلك الـ٦٥ صوتًا لانتخاب رئيس للجمهورية.
الاثنان يتصرفان وكأنّهما في حالة قتال مع ذباب وجهيهما، يهدّدان، يحرّضان، يحاولان شدّ عصبيّات طائفية ومذهبية، يضلّلان، يفترضان معارك وهمية، ويكذبان.
في سياق حديثيهما المنفصلين، الخاليين من أيّ كلام موزون يُردّ عليه، تفوح من بين الكلمات رائحة اللهاث في بثّ ما يرغبه الصهاينة، حتى تلك الأمنيات التي تدرك “اسرائيل” الآن أكثر من أي وقت مضى استحالة تحقّقها: نزع سلاح حزب الله وتغريبه في أرضه. ومن الطبيعي أن تواظب الأدوات على إظهار كونها ملكية أكثر من الملك، إلّا أن مجرّد تخيّل هول التناقضات فيما بينها، يؤكّد اتساع رقعة خيبتها التي مهما تبدّلت ألوانها وظروفها، تبقى انعكاسًا لخيبة الأميركي وتبقى دليلًا لا يُردّ على حماقة الخائبين.