ميساء الشلح – خاص الناشر |
في عالم يتّجه نحو زيادة في الاختلاط بين سكانه، من إثنيات وثقافات وأعراق وديانات مختلفة، نتيجة تطوّر تقنيات الاتصال والتواصل والنقل، بات من الضروريّ إدارة التنوع المجتمعي بما يؤدي عكس ذلك إلى انعدام في الاستقرار الاجتماعي والأمني والغذائي من مجاعة وفقر وحروب داخلية.
ويشير مفهوم إدارة التعدديّة في دولة ما، إلى الجهود والسياسات التي تهدف إلى التعامل بفعالية مع التنوع الثقافي والديني واللغوي والاجتماعي والسياسي في المجتمع. وتعدّ إدارة التعددية من أهم التحديات التي تواجهها الدول في عصرنا الحالي، حيث تعيش معظم الدول في عالم متنوع ومتعدد الثقافات والهويّات.
وهنا تكمن أهميّة الإدارة الرشيدة للتعددية في عالم سيناهز عدد سكانه الـ 12 مليار نسمة في منتصف هذا القرن، والهجرة والنزوح الداخلي والخارجي على ازدياد، مع محدودية متنامية في الموارد الطبيعية والانتاج الزراعي والغذائي.
وفي مقلب آخر، نلاحظ أن تحدّيات عديدة تواجه إدارة التعددية، من أزمات الهويّة والتطرف المتزايد في العديد من الدول وغيرها. وتبعاً لهذه التحديات، تُطرح إشكاليات حول أسس الدولة الحديثة والهوية الوطنية في إدارتها للمجتمع المتعدّد، وكذلك إشكالية الاستمرار في تطبيق مبادئ الحكم الديمقراطي والحقوق المدنيّة والسياسيّة والمساواة داخل الدولة المتعدّدة، عندما تتجه مجموعات نحو التطرف والعنف وتهدّد الاستقرار القائم.
إن سوء معالجة هذه التحديات، وبالتالي، سوء إدارة التعددية داخل الدولة يؤثر على الدول المجاورة، وحتى البعيدة، ويهدّد الأمن والاستقرار العالمي. بالمقابل في حال أحسنت هذه الدول إدارة التعددية، سيؤدي الأمر إلى زيادة في النمو والتنمية والإنماء ومستوى الحياة العامة للمواطنين، ما ينتج عنه مزيد من الاستقرار والرفاهية والأمن والأمان، وما يؤثر أيضاً بشكل إيجابي على الدول المجاورة والعالم.
وإن المجتمعات التعددية التي تميل إلى التعايش اليوم، هي مجتمعات قامت على بناء علاقات تعايش راسخة فيما بينها من خلال تحقيق العدالة والمساواة في توزيع الموارد وسيادة القانون والديمقراطية.
كما وأن التنمية، تعتبر ركيزة من ركائز التعددية. فمن دون تنمية، يختلّ الاستقرار السياسي ويقوم صراع بين المجموعات المتنوعة، ما يؤدّي حتماً إلى فشل في إدارة التعددية. وكذلك يكون حال التنمية التي تحصل على حساب التعددية، فتكون أيضاً تعسفية وتنعكس آثارها السلبية على النظام السياسي ككلّ. فمشاكل الفقر والبطالة والحرمان الاجتماعي وغياب المشاركة في صنع القرار لبعض مكوّنات المجتمع يمكن معالجتها والحدّ منها، من خلال حماية وتعزيز الحقوق التنموية بكافة مؤشراتها واتّباع الرقابة المستمرة، وذلك للوصول إلى إحقاق الحق في التنمية وتطبيق مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد.
وعليه، إن نجاح عملية التنمية أو فشلها، لا يتوقف على مدى وفرة الموارد الطبيعية، بقدر ما يتوقّف على وجود المناخ السياسي والاقتصادي والثقافي الذي يحفّز على النمو واحترام سيادة القانون. ولا يتم ذلك إلا في إطار حكم رشيد يضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في مقدّمة أولوياته في العملية السياسية، لأن تحقيق الرفاهية المنشودة من التنمية في الدول التعددية وغير التعددية، يحتاج الى تطبيق دعائم ومتطلبات الحكم الرشيد.
إذاً، التنمية والتعددية، هما في علاقة ترابطية. والتنمية هي الطريق الواجب السير به لبناء الأوطان، فإذا كان هناك تنمية حقيقية في ظلّ نظامٍ سليمٍ، تصل الدول إلى الاستقرار السياسي الحتمي. ولتحقيق الوحدة المنشودة في الدول المتنوعة، يجب إدارة التعددية في ظلّ التنمية. وإن التوصل إلى هذا النموذج هو أشبه بتحقيق المدينة الفاضلة عند أفلاطون، فلا شك بأن رقيّ الدول وتقدّمها يقاس باقترابها من هذا المثال. لذلك، إن الربط بين الجانبين الحقوقي والتنموي، هو الحلّ الأمثل للخروج من المأزق الذي تقبع فيه أغلب الدول التعددية اليوم.